لا اعلم سر تخلف العالم العربي بهذه الطريقة ، مادام يحمل كل هذه العقول الكبيرة والشديدة الذكاء ، في مواجهة احتجاجات الإصلاح والتغيير السلمية في الشارع ، بأفكار القمع الخلّاقة كالشبيحة والبلطجية ، وبزّات صحفيين حمراء لتكون هدفا لنطح الثيران ، واستعمال الدبابات والرشاشات ، لتقليع عيون وقلوب وحناجر المتظاهرين ، وتحطيم الأخضر واليابس لمسيرات " الإرهابيين " و "القاعدة " و " التكفيريين " وأعداء النظام " !
ولا اعرف مدى غباء ديفيد كاميرون في عدم استخدام النموذج الراقي العربي في إلابادة الجماعية في مواجهة أعمال شغب وتخريب ونهب تعد الأسوأ منذ عقود، بدأت في لندن وانتقلت إلى مدن كبيرة أخرى بينها برمنغهام ومانشستر وليفربول ونوتينغهام ، وما زاده غباء استماعه للجدل الذي يدور حاليا حول إمكانية استعمال أساليب الرصاص المطاطي وأسلحة غير قاتلة مثل بخاخ الفلفل وخراطيم المياه ومسدسات تازر ، والأغبى من ذلك انه يستعين بخبرة القائد السابق لشرطة نيويورك ببل براتن للعمل كمستشار لدى الشرطة البريطانية لوقف أعمال الشغب والذي أكد في نصيحته من فوره " بعد أن غلظ القسم بشرفه العسكري " ! أن الشرطة يجب أن تقوم بمهامها بشكل دستوري وثابت وإتباع السياسة نفسها في الإحياء الفقيرة والغنية وليس استعمال المدافع والرشاشات للحصيدة البشرية .
إني اسقط باللوم حقا على العم كاميرون " الغبي " لعدم استفادته واستلهامه النموذج العربي في البطش بالمتظاهرين والصحفيين المندسين والجزيرة وألبي بي سي والسي إن إن التي تستهدفه وتعاديه وتستهدف بريطانيا العظمى والملكة ونظام الحكم .
وبالمناسبة إذا طبق كامرون النموذج العربي في وعود الإصلاح والجدولة والضحك على الذقون وتشكيل لجان وتعيين وزراء ديجيتال وأولاد ، عوضا عن الارتهان للعقل وإيجاد حلول اقتصادية واجتماعية ، واستعمل لغة التهديد والوعيد والتضييق الأمني مع هؤلاء الشبان المحرومين ، فأنهم دون أدنى شك سيتحولون إلى عصابات منظمة بعشرات الألوف اشد خطرا وفتكا على بريطانيا مما يجرى ، ولعل كاميرون لم يكن ليتوانى عن استخدام القوة المفرطة ، لولا الضوابط المؤسسية القانونية، وقواعد الحريات العامة والإعلام الحر والمجتمع المدني المتأصلة ، هذا فضلا عن أننا لم نسمع كاميرون يصف ما يحدث من الاضطرابات وأعمال العنف والاحتجاجات كأعمال مندسة من الخارج أو أن من قام بها إرهابيون بل بالتأكيد، معالجتها بالعقلانية ، وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والسعي إلى تقليل التهميش للفئات الأقل حظا ومعالجة الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية والحوار والحريات!
بالمقارنة مع الحالة في لندن أدعو حكومتنا للاستقالة بعد حالة الفشل الكلوي التي تعاني منها في تعاملها مع قضايا شاهين والكازينو والفقر والبطالة والتعيينات والتعديلات والإصلاح والمطبوعات وتضييق الحريات ومكافحة الفساد وسيل هائل من قوائم الفشل !