اخبار البلد _ على مدى اربعة ايام، لم تتوقف اعمال العنف والسلب والنهب في مدينة لندن، والاكثر من ذلك انها امتدت الى مدن بريطانية كبرى اخرى مثل ليفربول ومانشستر وبيرمنغهام، حيث خرج آلاف الشبان المحبطين الفقراء الى الشوارع للتعبير عن غضبهم تجاه الدولة وقواتها الامنية، والمؤسسة الحاكمة التي اغلقت معظم ابواب الامل بحياة افضل في وجوههم.
الانتفاضات الشبابية الغاضبة ليست جديدة على لندن، فقد انفجرت قبل ثلاثين عاما في حي بريكستون الذي يؤمه معظم الشبان السود من اصول افريقية وكاريبية، وكانت الشرارة مقتل احد هؤلاء اثناء التحقيق معه في أحد مخافر الشرطة في نيسان (ابريل) عام 1981.
الانتفاضة الحالية انفجرت بسبب مقتل شاب اسود من الاصول نفسها على يد قوات الشرطة، ولكن في حي توتنهام شمالي مدينة لندن، الذي يعتبر من أكثر الاحياء اللندنية فقرا حيث تصل نسبة البطالة في اوساط الشباب الى ثمانية في المئة اي ضعف المعدل الوطني.
اللافت ان القاسم المشترك بين الانتفاضتين الاولى والثانية، انهما وقعتا اثناء ركود اقتصادي شرس، وفي زمن تولت فيه ادارة دفة الاوضاع في البلاد حكومتان محافظتان، الاولى بقيادة المرأة الحديدية مارغريت ثاتشر، والثانية بزعامة ديفيد كاميرون المؤتلف مع حزب الليبراليين الاحرار الصغير.
الازمة الاقتصادية الطاحنة التي تسود العالم الغربي هذه الايام لعبت دورا كبيرا في تفجير الاحتقان الشعبي في اوساط الطبقة المحرومة، وهذا امر لا جدال حوله، ولكن سياسات الحكومة البريطانية في تهميش مواطنيها الفقراء، وتصعيد معاناتهم من خلال تخفيض ميزانيات الخدمات العامة، والمعونات الاجتماعية لعبت الدور الاكبر في ما رأيناه من احداث طوال الايام الماضية.
انهيار القيم الاجتماعية والاخلاقية في دول يتغول فيها رأس المال بحماية من المؤسسة الحاكمة جانب لا يجب نكرانه على الاطلاق. فالمجتمع البريطاني، خاصة في طبقاته السفلى، منهار اخلاقيا بسبب تفكك الاسرة وارتفاع حالات الطلاق، والانجاب في سن مبكرة نتيجة الانحلال الاخلاقي والجنسي.
الغالبية العظمى من هؤلاء الصبيان والمراهقين الذين نزلوا الى الشوارع لنهب المحلات وحرق المباني وترويع المواطنين هم نتاج انهيار الرابطة الاسرية، وتراجع القيم الاخلاقية، بحيث باتوا لا يحترمون اباً او اماً، وبالتالي لا يحترمون الدولة ومؤسساتها.
فعندما تنهار المؤسسة الاسرية تنهار المؤسسة الاكبر، ومعها منظومة القيم الاخلاقية بتنوعاتها كافة. فاطفال الاحياء الفقيرة لا يعرفون شيئا اسمه الاسرة، ولا يجدون العناية الاسرية الضرورية التي تشكل وجدانهم القيمي والاخلاقي. فهناك بعض الامهات لا يعرفن من هم اباء اطفالهن، وان عرفن لا يردن ان يعترفن.
الحكومة البريطانية ارتكبت خطيئة كبرى عندما اهملت هؤلاء، وركزت كل اهتمامها على كيفية انقاذ الاغنياء ورصدت مئات المليارات لانقاذ النظام المصرفي الذي هو عماد النظام الرأسمالي من الانهيار عام 2008، وعلى حساب تخفيض الانفاق العام، واقتطاع المليارات من ميزانيات الخدمات العامة، مما ادى الى تفاقم البطالة، ومعها المعاناة في صفوف الطبقة المحرومة.
التغول الرأسمالي ادى الى انهيار دولة الرفاه الاجتماعي، وانفجار القاع بالطريقة التي شاهدناها في بريكستون وتوتنهام وهاكني وباقي الاحياء الفقيرة في بريطانيا.
صحيح ان بعض الشبان مارسوا النهب والسلب استغلالا لحالة الفوضى، وركزوا على الكماليات والاشياء الثمينة، اي انهم لم يكونوا جياعا يبحثون عن لقمة الخبز، ولكن الصحيح ايضا ان حالة التهميش والضياع وانعدام الامل تدفعهم الى الانتقام من المؤسسة الحاكمة التي اوصلتهم الى هذا الوضع المأساوي.
ثورة المهمشين في بريطانيا
أخبار البلد -