بسم الله الرحمن الرحيم
قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم
عندما نقرأ هذه الآية الكريمة العظيمة نعرف كم نحن بنعمة من الله عز وجل ونعرف بذات الوقت أننا لا شيء بل من العدم ... هذه الاية الكريمة تحمل معنى عن بشريتنا
وعن ما قبلها وكأننا أمام فرضية في داخلنا كوجود الصفر لا شيء إذا فقد معه أي عون من الأرقام فلا زيادة ولا تقدم ولا تطور ..
نحن أصفار في سياق الأحداث والأقدار.. تحركنا وتغرنا لعبة كوكب الأرض معتقدين
أننا ملكنا كل شيء ... ويا سبحان الله عندما نعيد قراءة هذه الآية نجد أننا لا شيء
لإننا ضعفاء نستغيث ونطلب وندعو بل نختبر في مواقف الرخاء والشدة وكلاهما
يحتاج لدعاء خالق الأكوان .. ودائما الضعيف يدعو ويطلب من القوي..إعترافا ضمنيا
قبل ان يلهج به اللسان ...
الآية فيها حالة وصال وتواصل جميل بيننا وبين الخالق .. لإن حالة الدعاء جمال الضعف في مواطن القوة والثقة بخالق الأكوان وفقدان الثقة بكائناته الاخرى .. لإن
الخلق بلا استثناء ضعيف يطلب عوناً من خالقه ..حالة الدعاء حاجة للإستمرارنا وبقاءنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض ... حماية ووقاية وعلاج ...حالة الدعاء تجعل الأنوف العالية تتدلى الى هويتها الاصلية اي هوية الضعف وهوية العدم وهوية الصفر وهوية الاعتراف لرب الوجود ..
فنحن كبشر بين منعطف النار والنور نتعايش بينهما ومعهما... لكي نصل الى مرحلة
اقرب من النور او اقرب الى النار عندما تحين ساعة الرحيل نحمل بين صدورنا أعمالنا ما ظهر منها ومابطن ...فإذا عمرنا بروج الهوى ومنازل الانغماس بقينا قي منطقة الذي هوى ...
وإذا عمرنا بروج الذات المنكسرة لربها فقط ومنازل الوصال ارتقينا الى منطقة السلام
الكوني ...وغرفات الجنان لإن رب الأكوان علمنا درسا جميلا بدعاء رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .. في عام الحزن فلقد قال سيد الكون وسيد الخلق وسيد البشر
وسيد الأنام وسيد المرسلين الأنبياء : يارب المستضعفين ..
فكانت بعده رحلة الأكوان رحلة الأسراء والمعراج وليس رحلة للقمر بل للإبعاد...
فالرسول الحبيب لجأ للحبيب باعتراف ودعاء جميل حيث قال يارب المستضعفين
ففتحت له بوابات السموات السبع ...ونحن كبشر الآن نرى بوابات بروج وابنية وقلوب خالية ونحن كبشر الآن نحس ببوابات القاصات والخزائن وقلوب كثر صداءها
لماذا ياترى ؟؟ لماذا اقلوبنا لا تصل لغتها للسماء ام نحن ينقصنا خبرة الوصال ام دعاءنا لا يرتفع بمقدار ابراجنا ؟؟ لماذا ياترى فما نوع القلوب حولنا ولماذ ا عالمنا يزداد جفافه القلبي مع التغير المناخي ويتناغم مع موجات الحر؟؟ لماذا أهي نعمة
من مواقف الصبر يعرف بها الكثير ... فالصبر موطن أشواكه كثيرة لا تعرفه الا إذا
عاينت أشواكه وتربته ..الصبر البشري يختلف عن صبر الجمل لإن الاخير ذا سنام
ومخزن أما البشر فكل له طاقة وقدرة محدودة..لا تعتمد على وجود السنام والخف
ولكن من هذا الجمل نتعلم ونرى في حالات الصبر ومواقفه أين نضع الاقدام ونخزن
لما هو آت ... كل ذاك بنعمة من الله ...
عودة الى معاني الدعاء في مواطن الشكر والصبر والرخاء والشدة ...فمن كان ذا قلب
متوكل ويعرف انه يتوكل على من هو حي لا يموت يشعر بالصفاء والامتنان ويشعربالضمان ويشعر بالسلام .. دليلنا .. كل البشر يوميا تموت من اجسادهم خلايا
لا يشعرون بها حتى جلدهم يطرح الكثير وشعرهم .. رسالات الموت في كل يوم بين أجسادنا فكيف ندعو بعضنا البعض .. ونعتقد أننا نملك ونغير ونزيل .. الخ ... ومن هنا صفات من أطلب منه وأدعوه انه حي لا يموت وهي صفة تشعرني بالقوة لإني ألجأ إلى
الحي جل جلاله وليس اللجؤء الى من لا يعرف لحظة موته او ميلاده فهو في تاريخ ولادته مجبور وفي تاريخ موته مقهور ....
بل يصبح على الآخرين عبء وترف ..
ربما الرحمن أراد بنا إختبارات وامتحانات كثيرة ليعرفنا ويمحصنا وهو الذي لا تخفى عليه خافية ..فكل اختبار قبله طلب منه وبعد الحصول على ما نتمنى يطالبنا بالشكر له
وهنا نتوقف ونتأمل معاً ...
كم نحن نجهل رحلة الوجود ورحلة العودة كم نحن نغوص بين ظلمات وأنفاق الأرض
وننتظر شهر مبارك ليعلن لنا ان النور في السموات ينعكس من إشراقاته في النفوس
المطمئنة والقلوب التي تنكسر لخالقها معادلة الوصال لطريق الاتصال ... أما برجية النفوس فتنكسر عند اي اختبار يكتب على البشر من مرض او موت او غيره ...
ربما الرحمن أراد ان نتواصل اكثر مع القرآن في شهر رمضان لإننا من طين لازب وسلالة من ماء مهين ونعرف أننا جزء ينمو خارج إطار الطين ..والتراب الى رحلة التدبر والتعقل والتأمل .. رحلة غار حراء والغوص بين أسرار الكون نقرأ كوننا المنظور من كتابه المسطور ونعايش الماضي والحاضر ونستشرف المستقبل .. لنحمي أنفسنا من نارنا الداخلية ونطفئها بنور يأتي بلحظات مع حديث الروح...
حيث تخلو النفس من وميض الصور والهياكل ... وتسرح بين نور الكلمات وتتساءل
بين دروب الذاكرين والعارفين ... لإنها تقرأ من كتاب الحي الذي لا يموت ..
الكاتبة وفاء عبد الكريم الزاغة