أخبار البلد -
لم يقتصر صمود النظام السوري في مواجهة التحالف الأميركي الإسرائيلي الأوروبي التركي، وأمام ضربات الفصائل السياسية المسلحة وأغلبها تحت الحزام، وإحباط أهدافها في إسقاط النظام وتغييره، وبناء نظام سياسي بديل على أنقاضه، يستغل الدين وتوظيفه سياسياً وأمنياً وعقائدياً كعنوان لجهادهم وثورتهم مع أن الدين والإسلام براء منهم كبراءة المسيحية من حروب أوروبا الاستعمارية باسم الصليب والمسيحية، وبراءة اليهود واليهودية من الصهيونية ومشروعها الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
سوريا الدولة والنظام والجيش والشعب لم يصمدوا فقط، بل حققوا الانتصار أو هم على طريق الانتصار وهزيمة التحالف العريض الذي دعم المعارضة المسلحة وراهن عليها لتنفيذ برنامجه، ولذلك هزمت سوريا ثلاثة عناوين هي :
أولاً : الفصائل المسلحة وهي بالعشرات محلية وعابرة للمحافظات ومركزها تنظيمات القاعدة وداعش والإخوان المسلمين.
ثانياً : انتصار سوريا على التحالف الإقليمي الدولي بقيادة الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي الذي مازال يحتل الجزء الأكبر من الجولان، وأوروبا وتركيا وبعض الأطراف الخليجية معتمدة على سند موازٍ تقوده روسيا وإيران وحزب الله اللبناني.
ثالثاً : هزيمة التيار السياسي وفشل تنظيمات الإسلام السياسي، وتوجهاتها وخياراتها، أسوة بهزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، وفشل وتراجع التيار القومي بهزيمة العراق واحتلاله عام 1991 وسقوط نظامه القومي عام 2003 وإعدام رمزه الراحل صدام حسين.
فالصراع لم يكن مجرد صراع على الحكم بين سلطة الدولة وتطلعات فصائل معارضة مسلحة للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، بل كان صراعاً محلياً له امتدادات قومية وإقليمية ودولية، مثلما كان صراعاً بين تيارات سياسية، بين التيار السياسي الإسلامي وكان معه بداية أصحاب التيار الليبرالي الذين انكفؤوا وهربوا وبعضهم تمت تصفيته من قبل الفصائل المتشددة حينما لم يعلن التوبة والولاء والتبعية لفصائل تيار الإسلام السياسي، وبقيت وواصلت أحزاب وفصائل التيار الإسلامي وحدها في مواجهة سياسية فكرية عقائدية قادها بعض قوى اليسار على مختلف تصنيفاتها، وبعضاً من التوجهات القومية المشاركة في الولاء للنظام أو المتحالفة معه.
في إحدى اللقاءات الخاصة المحدودة مع وزير الخارجية الروسي، سمعته يقول « لقد سبق للولايات المتحدة الأميركية أن خطفت العراق وليبيا في غفلة من الموقف الروسي، ولكنها لن تتمكن من تحقيق خطف مماثل لسوريا «، وهذا ما فعلته روسيا أنها لم تُمكن الأميركيين من الإستفراد بسوريا، فخرجت واشنطن وحلفاؤها مهزومين أو كادوا عن أرض سوريا، ولذلك لن تكون نتائج الوضع في سوريا محدودة بحدود سوريا وشعبها، بل ستمد نتائج هذه الجولة من الصراع المحلي الإقليمي الدولي إلى خارج الحدود، وإن لم يتم ذلك مباشرة وتحتاج تفاعلاتها إلى زمن كما حصل في روسيا التي استعادت حضورها وقوتها، وكما يحصل الآن في العراق عبر الاحتجاجات الشعبية العابرة للمحافظات من أجل المواطنة العراقية وضد التدخلات الإقليمية والدولية التي تمس كرامة الشعب العراقي وسيادته وحقه في تقرير مصيره بنفسه.
h.faraneh@yahoo.com