... نهوض وحراك شعبي يزداد يوما بعد يوم ، يعلن التفافه حول الملك وتمسكه بالقيادة الهاشمية بإعتبارها صمام الأمان والاستقرار ، يطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة تحافظ على الوطن والنظام ، شعارات ترتفع وتصدع في ارجاء المدن كل جمعة ، ومناشدة شعبية توجه لصاحب الأمر ان تلبى المطالب ويتحرك الإصلاح ويحاكم الفساد ، والاستجابة لم تحصل بعد .
اكثر من ثلاثين جمعة ومرت منذ بدء المطالبات ، الشعارات تتجدد كلما خرجت اللجان المشكلة علينا ب
" محدثات " تعديلات دستورية و سياسية لا تلقى ادنى ترحيب ، البعض تعدى السقف الشعبي المعتدل في مطالبه بسبب استمرار سياسة المماطلة والتلكوء في اجراء الاصلاح المنشود ، شعارات تقترب من الخط الأحمر في بعض المحافظات ، بوادر فتن تطل برأسها كل صباح جديد ، قوى واحزاب تبحث عن التصعيد وتنتظر الفرصة وقد تحركها في ساعة صفر تقررها في مكان وزمان محددين ، تعطيل الاصلاح يمنحها الفرصة والوقت لاعداد نفسها للتحرك ، والناس ما بين مقبل ورافض للتصعيد بأنتظار محدثات ايجابية جديدة تلبي طموح الناس !
لم يطالب الشعب بتغيير النظام ، ولم تحدث نفس مواطن ان يتغنى بها او ينشدها ، فلا زالت الآمال معلقة على استجابة النظام للإصلاح والتسريع به قبل ان ينتقل الناس الى مرحلة اشد وطأة ان اصابه ملل طول الانتظار !
ثلاثون اسبوعا ونيف وهم يتحدثون عن إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية ، الإصلاحات السياسية التي حدثت جاءت اقل مما كانت عليه قبل الحراك عبر " محدثات " عجيبة تناولها قانون الانتخاب اثارت استياء الناس ورفضها ، لأنها اقل بكثير مما كانت تنتظره لبدء مرحلة جديدة اكثر ديمقراطية وأشد إجماعا من كل ما سبقها من قوانين والمتعلقة تحديدا بتوزيع المقاعد تبعا لقوائم وهمية على مستوى الدائره ، وقوائم وطن لم تمنح اكثر من 8 % من المقاعد للقوى والاحزاب و بشروط تمثيلها للمحافظات كافة !! ولا ندري كيف يقال عن حكومات برلمانية في ضوء تلك المحدثات !! وقد دفعت هذه" المحدثات " الحراك الشعبي للخروج بقوة وتصميم شديدين والتنديد بتلك المحدثات على قانون الانتخاب وازدادت القناعة لدى الشارع بعدم توفر الارادة السياسية الحقيقية لاجراء الإصلاح ! فكانت تلك المحدثات شرورا لا إصلاحا ، افتعلت لتكريس الفوضى وإدامة الأزمة لتمرير مخططات او برامج واجندات يجري التحضير لها ، ولذلك استمر التصعيد وعظم الحراك ، وارتفعت سقف مطالبه ، وتعاظمت المطالبات نحو اصلاح النظام بكل جوانب سياساته ، وانتشرت معها كرد فعل رسمي مظاهر التصعيد الأمني وظهر لأول مرة في الاردن " محدثات "تشكيل عصابات البلطجة من أجل التصدي لقوى الحراك الشعبي واثارة الفتن ، بل وانيط بها دورا أمنيا تصعيديا يتعلق بمضايقة وتهديد واعتداء على الإعلاميين والساسة من رموز الحركة الشعبية ، وانيط بها كذلك مهمات سياسية تتعلق بالتضييق والتحرش بسفارات ووكالات انباء غربية في مواقف تكررت اكثر من مره دون رادع رغم الاحتجاج الغربي على تلك الممارسات ، و بالرغم من فشل التجربة ألأمنية واثارة الفتن وتسليط البلطجة نفسها في العديد من الدول العربية ،الا ان السلطة تصر على تلك الادوات البالية غير المجدية في التعامل مع الشعوب وكانت النتائج النهائية لتلك الانظمة هو السقوط وملاحقة كل من ادار ووجه وشارك في عمليات تلك العصابات التي داسها النظام وضحى بهاقبل ان تدوسها الشعوب !
كذلك ، جاءت "محدثات " التعديلات الدستورية المقترحة وما تسرب عن القليل منها لتضاعف من غضب الشارع ورفضه تلك المحدثات سيئة الصيت على الدستور الاردني قبل ولادتها ، وهي " محدثات " لم تكن ضمن ما طالب الناس ولا نادوا بها ، ولم يعد الدستور الاردني بتلك المحدثات الجديده موضع ترحيب وتهليل الناس الذين اعتبروها إضافات او " محدثات " تستهدف التمهيد لوطن بديل يجري الحديث عنه ، وتسهيلا لتولي المناصب العليا للدولة من قبل حتى مواطنين ورعايا عرب حديثوا العهد بالمواطنة ، بل وتمنح حتى لمن يتمتعون بازدواجية الولاء والانتماء من حملة الجنسيات الغربية التي تغافل عنها اصحاب التعديل بضرورة منع توليهم تلك المناصب ، وباتت الجنسية الأردنية سلعة تباع للبعض مقابل رشاو مالية كبيرة يجري الحديث عنها في العلن تقدم لبعض المتنفذين دون رقابة تشريعية او تنفيذية او قضائية ، وهي تعديلات كان يجب ان ترافق منح الجنسية ووقف التلاعب والمتاجرة بها وربطها بسلطات تشريعية وقضائية عليا ، فعملت تلك المحدثات المقترحة على زيادة قوة الحراك ورفع سقف مطالبه من أجل الضغط على الحكومات لإعادة النظر بتلك " المحدثات " الدستورية المقترحة والأخذ بعين الاعتبار التعديلات التي ينادي بها الناس حفاظا على الوطن ومكتسبات الشعب ، اذ لم يعد الأمر متعلق بإصلاحات سياسية فحسب ، بل تعداها الى خوف وقلق على الوطن برمته جراء ما تشير اليه تلك التعديلات المقترحة على الدستور من تغيير دراماتيكي خطير وخطير جدا يستهدف الوطن والمواطن وحتى النظام السياسي برمته !
واما دعوات الملك لتخفيف الاعباء عن المواطن ، فقد استجابت الحكومة لتلك التوجيهات بجملة "محدثات " وقرارات اقتصادية لم يستفيد منها إلا كبار التجار ، فالإعفاءات التي قدمتها الحكومة للتجار عبر محدثات تخفيض الضرائب عن الكثير من المواد الاستهلاكية لم يستفيد منها المواطن وظهرت لعبة تخفيض السعر للمواطن شكلا و ذهبت الفائدة للتاجر ضمناً ، ، فأسعار اللحوم على سبيل المثال لا الحصر ، ورغم الإعفاءات بتخفيض دينارين عن كل رأس ماشية استغلته عصابات الاحتكار ورفعت الأسعار ، فكسبت التخفيض الرسمي وكسبت فارق السعر الجديد !! فتجار المواد الأستهلاكية عموما وتاجراللحوم خاصة كما هو معروف لا يعبأ بحكومة او نظام ! لأن ما يشاع بين الناس وبكل صراحة لم يعد يخفى على أحد من ان البعض من الكبار متورط او مشارك بتلك التجاره ! وإلا من اين له تلك القوة وتلك المنعة ، وأن التخفيض الحكومي جاء لصالح التاجر لزيادة جشعه في الشهر الفضيل ، فلا مبرر لديه لتخفيض السعر ولا حاجة للرد على مناشدة الحكومة ، حيث يظهر انه اكبر من حجم الحكومة واقوى سلطة منها ، كيف لا ، وهي من قدمت اليه إعفاءات ضريبية بقيمة مليون وربع المليون قبل اقل من شهر رغم صدور تلك الضرائب بقرار وحكم تمييزي صدر باسم جلالة الملك !!
فالإعفاءات التي تقدم للمحتكرين هي فساد رسمي على حساب الموازنه ، وما يقُدم لتاجر واحد من إعفاءات ضريبية وتسهيلات مالية جرت قبل اسابيع كان يكفي لتنمية محافظة بكاملها ! لكن محدثات الحكومات للأسف موجهة لخدمة التجار لا غير ، وهي مستندة الى سياسة التجويع وزيادة الأعباء والتظلم للحاكم لعل وعسى ان يمنح دعما او مكرمة مالية إضافية تساعده على العيش ولو لشهر واحد دون مرارة، وكان يمكن للمواطن الاستغناء عن تلك المكرمة لو ان تلك "المحدثات " او التخفيضات والاعفاءات صدرت من أجله وليس لصالح التجار !! وأن من كان يظن ان تلك السياسات ستحول دون تعاظم قوة الحراك الشعبي وإغراق المواطن في بحر البحث عن لقمة الخبز يكون خاطيء الحساب ، فلم تعد تلك السياسة تجدي ، بل الخشية ان يتحرك المواطن ويقفز فوق الشعارات والخطوط الحمرا ويتخذ لنفسه طريقا اخر يراه اكثر نفعا وجدية وسرعة في تحقيق أهدافه في الحصول على الخبز وألأمن والعدالة دون منّة او طول انتظار ، ويتحدى كل التعنت والرفض لمشروع الإصلاح الوطني المأزوم برفض النظام .
ان ما تعيشه البلاد من رفض رسمي واضح لمشروع الإصلاح واستمرار التحالف مع قوى الشد الفاسد وبعض التجار المحتكرين والعمل على خلق بؤر توتر وفتن وتأزيم المواقف فيما يتعلق بمحدثات دستورية او اجتماعية لا تحظى باحترام الشعب ، قد ولد في المقابل جبهة وطنية وشعبية عارمة في مواجهة ذلك التحالف المقيت ، الكلمة النهائية فيه للشعب وليس لأحد غيره طال الوقت اوقصر ....