سوريا ... وشعار التضامن العربي
كان شعار التضامن العربي ، ابرز شعارات الحركة التصحيحية ، التي قادها الرئيس الراحل حافظ الاسد ، في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 ، تلك الحركة ، التي شكلت منعطفا بارزا في علاقات سوريا العربية ، حيث انطلقت بعدها سوريا ، لتعزيز علاقاتها مع جميع الاقطار العربية ، وانتهت بذلك مرحلة التصنيفات السياسية للانظمة العربية ، بين رجعية وتقدمية ، التي اوجدت خلافات بينها ، منعت توحيد مواقفها من اهم قضية مشتركة ، الا وهي القضية الفلسطينية ، ورافقتها حملات اعلامية متبادلة ، استمرت لسنوات طويلة .
لقد رفع شعار التضامن العربي ، لانهاء التمزق والتشرذم ، الذي اعاق العمل العربي المشترك لتحرير فلسطين ، هدف كل العرب قبل هزيمة حزيران 1967 ، والذي تبدل بعد تلك الحرب ، ليصبح انهاء الاحتلال الاسرائيلي لسيناء والجولان والضفة الغربية ، بعد ان قبلت الدول العربية ما عدا سوريا ، بقرار مجلس الامن الدولي رقم 242 ، الذي اعقب الحرب ، وكذلك قبلت بمبادرة روجرز عام 1969 ، التي اوقفت حرب الاستنزاف على الجبهات العربية .
لقد كان التضامن العربي المنشود ، تضامنا كفاحيا ، الغى الخلافات العقائدية ، وحالة التمزق العربي ، من اجل توحيد كل الجهود والامكانات العربية ، نحو هدف تحرير الارض المحتلة ، وكانت ابرز اشكاله ، ذلك التضامن الذي شهدناه في حرب تشرين 1973 ، التي ارادتها سوريا تحريرية ، وارادها السادات تحريكية ، لانهاء حالة اللاحرب واللاسلم ، التي عاشتها المنطقة العربية ، عقب مبادرة روجرز ، ووفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، واحداث الاردن ، والتي اظهر السادات في خطاباته تململه منها ، عندما وعد بسنة حسم مرتين ، مرة بالتوقيت الميلادي ، ومرة بالتوقيت الهجري ( الخطاب الثاني كان في ذكرى رأس السنة الهجرية ) . دون ان يكون هناك حسم ، الى ان جاءت حرب تشرين ، التي اعقبها ولاول مرة ، استخدام البترول كسلاح في المعركة ، فقطعت امدادات النفط عن الدول المؤيدة لاسرائيل ، وهذا انجاز يسجل للملك فيصل ، الذي انتهى به المشوار الى الاغتيال .
لقد رافق التضامن العربي ، تضامن وطني داخل سوريا ، حيث انشئت الجبهة الوطنية التقدمية ، كشريك في الحكم ، وهي تضم احزابا قومية ويسارية ، فكانت اول مظاهر التعددية السياسية ، التي تعد سبقا لسوريا بمقاييس ذاك الزمن ، كما ان التيارات الاسلامية ومنها الاخوان المسلمون ، ورغم عدم مشاركتهم بالحكم ، تمتعوا بحرية العمل الى حد كبير .
لم يمضي خمس سنوات على الحركة التصحيحية ، الا وقد بدأ التآمر على سوريا ، من الداخل ومن لبنان ، فكان التمرد المسلح للاخوان الذي استمر حتى عام 1980 حين تم سحقه ، ترافق مع الحرب الاهلية في لبنان ، خاصرة سوريا ، وكل ذلك اعقب الصلح المنفرد بين مصر واسرائيل ، فكان الهدف اجهاض نتائج حرب تشرين ، كابرز ثمرات التضامن العربي والوطني ، وبقي التضامن العربي قائما الى حد ما ، تجلى في مقاطعة مصر بعد الصلح المنفرد ، ونقل جامعة الدول العربية الى تونس ، ثم جاءت حرب الخليج الاولى ، فبدأ الانهيار بهذا التضامن ، الى ان تمزقت اخر اشلائه ، في حرب الخليج الثانية ، عقب غزو العراق للكويت .
لقد كانت تجربة سوريا مع التضامن العربي ، مخيبة للآمال ، فما تشهده سوريا اليوم ، من حلقة جديدة من حلقات التآمر على وحدة ارضها وشعبها ، تشارك فيها او تؤيدها دول وقوى عربية ، ساهمت سوريا في فك عزلتها ، وبرأتها من التهم التي كانت تلصق بها ، ومدت يدها لها ، لبناء تضامن عربي ، وبناء وحدة عربية ، ليست رجعية ولا تقدمية ، بل وحدة كفاح ، لتحرير الارض ، والتقدم اماما نحو المستقبل المشرق ، فكان جزاؤها كجزاء سنمار .
مالك نصراوين
28/07/2011