رحم الله أيام زمان ، عندما كان ُنقاد الحكومة وبرنامج التصحيح الاقتصادي يعيبون على الحكومة أن المديونية لم تنقص ، فما زالت مستقرة عند مستوى سبعة مليارات من الدنانير لعدة سنوات.
في حينـه كنا نرد عليهم بأن المديونية ، وإن كانت ثابتة عنـد مستوى معين ، إلا أنها تتراجع كنسـبة من الناتج المحلي الإجمالي ، أي أن عبء المديونية كان يتناقص بالقياس إلى قدرة الاقتصاد الوطني على خدمتها.
ذهبت تلك الأيام منـذ عام 2004 ، حيث انتهـى تطبيق برنامج التصحيح الاقتصادي ، وفتحت الحكومات المتعاقبة الحنفية كسـباً للشعبية ، وأخذت المديونية تقفـز ليبلغ صافيها الآن 12 مليار دينار ، بعد تنزيل ودائع القطاع العام لـدى البنوك. أما إجمالي المديونية فيقارب 5ر13 مليار دينار ، أو 19 مليار دولار.
ترتفـع المديونية عاماً بعد آخر لأن الحكومة تسـمح للنفقـات العامة في الموازنة بأن ترتفع سـنوياً بأسرع من ارتفاع الإيرادات ، وعلى سبيل المثال ، فإن الإيرادات المحلية ارتفعت خلال الشـهور الخمسة الأولى من هذه السنة بنسبة 2ر2% ، عما كانت في نفس الفترة من السنة الماضية ، أي أن ارتفاعها كان أقل من نسبة التضخـم ، مما يدل على أنها نقصت من حيث القيمة الحقيقيـة ، أما النفقـات الجارية فقد ارتفعت بنسبة 3ر12% أي بنسبة تعادل ثلاثة أمثال نسبة التضخم ، فمن الطبيعي والحالة هذه أن يرتفع عجز الموازنة، وأن تزداد بالتالي حاجة الحكومات للاقتراض ، مما يرفع المديونية الصافية إلى مستوى يقترب بسرعة من السقف القانوني البالغ 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
وهنا نلاحظ أن السقف القانوني لا يعني الكثير ، فالحكومة جاهزة لتجاوزه دون أن يرف لها جفن ، والسلوك المالي الراهن للحكومة يدل على أن تجاوز السقف قادم لا محالة.
عندما هبطت نسبة المديونيـة إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي قبل سنوات ، طالبنا بتعديل قانون الدين العام بحيث يجري تخفيض السـقف إلى 50% خلال خمس سـنوات. كان ذلك إفراطاً في التفاؤل ، فالهدف الواقعي الحالي أن لا ترتفع المديونية وتتجاوز السـقف الحالي.
نقـاد النخبة الحاكمة يتهمونها بإدارة الدولـة كأنها شركة مساهمة ، لكن الواقع أسوأ ، فإدارة الشـركة تهدف لتحقيق فوائض وليس التـورط في المديونية.
د. فهد الفانك يكتب : إدارة الحكومة كشركة مساهمة!
أخبار البلد -