بقي الملك والشعب، أما الحكومة فقد بان عوارها، وانكشف أمرها حتى لمحبيها والمتغزلين بها، وأما أجهزتها التي تأتمر بأمرها فهي على طريقها. وأما المجلس الذي يفترض أن يمثل الشعب وينتصر لقضاياه، فها هو يحاصر الحريات بما يستطيع، فما تعجز عنه الحكومة يكمله فرسان مجلس النواب، ولا يستطيع الشرفاء فيه فعل شيء، حتى لنقابة المعلمين إلا بالحد الأدنى.
أعذر بعض المحشّدين ضد مصطلح (مشروع الإصلاح) وبعضهم بريء طيب، مع أن فعله مستهجن مستغرب، كيف لا يحب الناس الإصلاح؟ وبمفهوم المخالفة هل هم مع الإفْساد والفَساد؟ وهل يحب أحد الظلم والعذر والخيانة بأنواعها والاعتداء على الآخر؟ هل يحب أحد الفوضى والتمييز بين الناس، حرمان الانسان من حقه، ضياع الحقوق، التفريط بالمصالح العامة؟
للفساد نظامه، وله حكومته، وله ميليشيات، وله مصفقون وكتبة وفضائيات وصحف وإذاعات، وقضاء ميداني فوري وممولون ورداحون باسم الأردن، كما يجب أن يكون للأردن نظامه السياسي وجيشه وأمنه المنظم وسلطته التشريعية والتنفيذية وحكومته الوطنية ومجلسه التشريعي الذي يمثل نبض شعبه، وقضاؤه الحر النزيه المستقل، وشعبه الغيور عليه والحريص على بنائه.
يظن البعض الطيب أنهم بمعارضتهم (للإصلاح) أنهم يعارضون الذين يسعون لهدم الوطن ونهبه وضياعه أو هكذا (يُفَهَّمون) (ويدرَّسون) (ويلقَّنون) من طرف واحد، وأنهم بمعارضتهم لمشروع الإصلاح يدافعون عن الملك، وأنهم يحافظون على أمن الأردن واستقراره وراحة شعبه، لذا فلهؤلاء العذر المؤقت، لكن عليهم المراجعة، وللمحتار بشأنهم تفسير وتأويل، لذا فإن من واجب من يسعون للإصلاح توضيح الحقائق بهدوء، ومحاورة الناس والإجابة على الفَزّاعات والشَّائعات والافتراءات التي يطلقها الخائِفون من الإصلاح والمنتفعون من خراب البلاد وفساد العباد.
إذا رفع الصادقون لواء بناء الدولة الأردنية الحديثة، وحددوا مقتضيات ذلك، أشاعت قوى الشد العكسي أن هؤلاء يريدون إسقاط النظام، ورفعوا عقيرتهم بالكذب، لا تفسير لذلك إلا أنه عندما تضيع من البعض الذاكرة القريبة يستحضر بقية الذاكرة القديمة في نفسه أو ما كان يمارسه ويسعى إليه، فهي بقية محفوظاته، لذلك يعكس ما في داخله ويرمي به الناس، هكذا يفسر الأطباء وعلماء النفس حالة بعض المرضى فاقدي الذاكرة القريبة، لو سألته عما رأى وسمع وقرأ قبل يومين أو أسبوعين أو سنة فلا يذكر منها شيئاً، لكنه يتذكر ما قبل ثلاثين أو أربعين سنة.
هكذا فسر بعض الأردنيين تصريحات الوزير (الناطق ومعلمه الجنرال المدني!!)) وليته بقي يخطط (ويشخبط) اقتصادياً، ولما استل سيفه البتار ومدفعه العملاق بوجه الأردنيين يوم الجمعة، وهذا المشهد الدرامي يرسم زورا وبهتانا للشعب الأردني ولأعيانه ما يلي:
- مجموعات تعتلي سطوح البنايات العالية معهم بنادق مزودة بمناظير خاصة، وهم قناصة مهرة.
- مجموعات تخفي داخل ملابسها أسلحة متطورة وسكاكين وتبالغ في إخفائها ليستخدمها بعد ساعات.
- قوات شعبية تحتشد من خلف الحجب تعد العدة للهجوم على الأردن، وهم مفترسون بصورة آدميين.
- رجال دوريات راجلة تحرك بكل اتجاه، وطلائع رصد ميدانية ترقب العدو متى يأتي ومن أي ثغرة سيدخل.
- فريق من المواطنين يرتدي ملابس مميزة لتسهيل رؤية كاميراتهم وتسجيلهم للشهادات المجردة الحية انتظارا لساعة الصفر (للانقلاب)!! المعتاد، وهو المنهج الإصلاحي في بناء الدول الذي كان يعمل من خلاله معاليه قبل عقود، وهي في العقل الباطن والذاكرة البعيدة.
- ثم هو (الوزير) معني بقراءة السر وأخفى في صدور الناس، وهو قادر على معرفتها بأدواته المتقدمة وثقافته الموروثة القديمة، وخبرته التي يمكن تطويعها باتجاه آخر، ثم يجزم بقراءة ما بدواخل الناس على سبيل القطع والجزم.
- تهيئة الشعب قبل يومين للاستعداد للمنازلة الكبرى بين الشباب والكهول المدنيين الأردنيين الذين سينقضون على الوطن وجيشه وأمنه ومليكه وترابه.
- تجييش الشعراء والكتاب، فمنهم (روح القدس) لتعبئة الشعب ضد بعضه، والأخ ضد أخيه، فقط لأن هذا يرتدي لباس الأمن، وذاك يلبس الثوب العربي والعقال الأردني، مع أنهما يعيشان في بيت واحد في نهاية اليوم، وتكليف المعنيين بإعلان البيان رقم 1 لهزيمة تاريخية للأعداء الذين أرادوا اختطاف الأردن.
- نسأل من هم أعداء (الأردن)، حتى نقاطعهم ونحاربهم ونطردهم ونحرقهم، ونفوت الفرصة عليهم وعلى الذين كانت نيتهم إسقاط النظام (يعني تغيير الملك).
- الاحتفال بالتمكن من الفصل بين أصحاب المطالب السياسية والمطالب المعيشية يا سلام!!!
- استباحة حرية المواطن إن لم يكن صحفياً، أما إن كان صحفيا محترفاً يوجه الكاميرا إلى الشمس أو الحيطان، ولا يجعلها ترصد ما يحدث على الأرض دون تدخل، أي عندما يسهم في شهادة الزور، فنعتذر له بعد ضربه وتأديبه من أجل مصلحته المهنية، فهناك فرق هائل بين عمر أبو رصاع المواطن، ومحمد المحاسنة الإعلامي، ولكنهما اشتركا في الكسور والإيذاء، كل هذا من أجل عدم اختلال المشهد الأردني أمام السياحة الصيفية، وترغيباً بدعم هذا المرفق الهام.
الفتوى السياسية الأمنية الخالية من الحس الوطني بإرهاب الناس حتى لو سلبت بائع السلالم سلمه دون ثمن، وبائع المناقل منقله دون ثمن، وبائع الخشب خشب الطوبار (لمرينة أو مرائن) دون إذن، مع أنها أملاك شخصية لا مانع من وضع البسطار على وجه الأردني ورفشه وضربه وكسر يديه وأضلاعه وكل شيء منه قابل للانكسار أو الكسر إن استطاع. ثم الوعد بالتحقيق الحيادي مهما كلف الثمن (والنتجة معروفة مكرورة) لا يجهلها إلا غبي.
- تحميل المعتصمين بالتركات، وشكرا له فقد كبرها من بكبات سابقا إلى تركات في عهد حكومة الإصلاح.
- يجب شيطنة كل مواطن أو حزب أو مجموعة أو هيئة تفكر بالإصلاح، حفاظا على الوطن، صالحا من كل فساد.
ويظهر أنه لولا الشعور بالمسؤلية الوطنية لما نطق (الساكت)، ولما أنكر (العارف)، ولما استخدم المنقل لشوي المواطن العاجز عن شراء اللحم البلدي للشوي، فشوي لحمه.
وعلى كل حال، فلم يبق للأردن بعد الله إلا الشعب المقهور الذي شرع برفع صوته وقراءة المشهد قراءة جادة دون خوف أو مماراة، فالشعب هو الباقي حتى لو حوصر بعض الوقت، فهل ينهض الشعب بمسؤوليته قبل فوات الأوان؟
وهل يقف الملك أمام تغول الحكومة والنواب وقوى الفساد والمفسدين على الشعب ويأمر بإصلاحات دستورية حقيقية شاملة تنقذ الوطن والشعب والنظام، وتضع حدا للمتسترين المتجلببين بجلباب الملك.
أما إذا سكت الشعب والنخبة (تقية وخوفا)، والجاهل يجهل تحت التضليل الإعلامي، والفاسد يعمل ليل نهار فمن للأردن؟ وما النتيجة إذن ومن يتحمل المسؤلية؟