لن أنسى هذا اليوم مهما حييت وسأذكره لأبنائي حين يكبرون ولأحفادي إن طال بقائي ، ذاك اليوم هو الأحد الفائت الذي إنتهى فيه مجلس النواب من مناقشة قانون نقابة المعلمين ، وتلك اللحظة التي أعلن فيها رئيس المجلس إقرار القانون وتحويله لمجلس الأعيان حينها كانت اللحظة التاريخية التي لن ينساها أي معلم أردني على إمتداد تاريخ الأردن ، لقد كانت بالفعل لحظة مؤثرة للغاية والإبتسامات تزين وجوه المعلمين الحاضرين على شرفات المجلس .
بالفعل لقد كانت الصورة لا تصدق وفي زمن ليس بالطويل ، و رحم الله صديقي الذي أحببته وقدرته المعلم خالد تيلخ حين قال لي بأن الحكومة لو كانت ترغب في إحياء نقابة للمعلمين لما عجزت عنها وبمدة قصيرة ، ولكنها لم تكن ترغب في ذلك ولم تكن تضعها في قاموسها على الإطلاق ، وأذكر تلك المقالة التي كتبتها قبل نحو أربعة أعوام وأردت نشرها حينها راجعتني المحررة على الهاتف وسألتني أن أزيل كلمة نقابة المعلمين من مقالتي لأنها حسب وصفها من الخطوط الحمراء في الأردن ومجرد ذكرها يعني زج النفس في أتون معركة لا تحمد عقباها..!! ، ولكن هيهات فها نحن اليوم نقف على أعتاب النقابة .
ها قد مر عام ونصف أيها الزملاء منذ تلك اللحظة التي هب بها المعلم الأردني لكسر حاجز الظلم عنه وإيقاف حالة الإستعباد التي كان يعاني منها ورفضه لسياسة التهميش وسلطة المزاج عند ساسة الوزارة ومديرياتها ، التي كانت ترى في المعلم مجرد دمية أو عبد حبشي كما في ذاك الزمان ، دوره الوحيد التطبيق فقط دون أن يشارك أو يفكر في أن يعبر عن رأيه ، لقد أضحى المعلم أضحوكة في المجتمع من سياسة التهميش التي عاناها والإفقار المتعمد له ولأسرته بسياسة ممنهجة ، لأنهم لا يريدون له أن يستيقظ يريدونه نائماً وغافلاً فقط ، لأنه إن تحدث أسقط الأصنام المتزلفة ، والأنوف المتمسحة ، عليه فقط الصمت ثم الصمت ثم التطبيق لا شيء غير ذلك !!
ما زلت أذكر تلك اللحظة التي بدأ بها المعلمون حراكهم الوطني ، ردا على حديث الوزير بدران الذي غابت عنه سياسة الوزير في هذه الوزارة ، لم يدرك بأن الضرورة تحتم أن لا نظهر حقيقة موقفنا من المعلم ؟، فنحن نعلم بأنه لا شيء بالنسبة لنا ولكننا علينا أن نسمعه الكلام المعسول وخاصة أمام الإعلام !!! ولكن بدران أخطأ الخطأ المبارك وأظهر السياسة الحقيقية لنظرة الحكومة للمعلم وكيف تنظر إليه ، فجاءت الطامة عليهم بأن انتفض صاحب الحق في وجههم لإستعادة حقه الذي سرق منه على إمتداد أكثر من أربعة عقود سحقت فيها نقابة المعلمين وأصبحت شرا لا يذكر ومصيبة لصاحب القول بها ليحاكم بهذه التهمة الكثيرون ويزج منهم في السجون .
لقد أثمرت بحمد الله جهود المعلم الأردني لإحياء نقابته وأبدعت كل الإبداع اللجنة الوطنية لإحياء نقابة المعلمين الأردنيين ، التي قادت الحراك وأثبتت بها أمام الشعب بأكمله وعلى المستوى العربي أيضا بأن المعلم الأردني هو صخرة إذا ما زوحمت ..... كان لها الوقع والفعل وأثبتوا بأنهم قادة وبناة هذا الوطن لأنهم المعلمون لهذه الأجيال ولأنهم هم من أوصل الوزير ورئيسه وقادة الأمن والدفاع والمخابرات لمناصبهم ولولاهم لما أصبحوا بما هم عليه ، وهم حين كبروا أنفسهم آثر البعض منهم أن يكون ندا لمعلمه وأن يسحق صوته ويخفض هامته .
شكرا لكل من شارك بهذه الثورة التي قادها المعلمون لإسقاط الظلم عنهم ولضرب كل يد حاولت المساس به وبكرامته ، شكرا لكل معلم ومعلمة أبدى جهدا دؤوباً في الحراك المشروع الذي أفضى لإحياء نقابتهم ولمحو الصفحة المظلمة التي مر بها المعلم الأردني خلال الفترة الماضية شكرا لكل من وقف الى جانب هذا الحراك من شخصيات وكتاب وأحزاب وأولياء الأمور لأنهم جميعا وبحق كانوا عونا وسندا لهذا الإنجاز الذي ننعم به من إنتصار تحقق لهذا العمل المثمر الذي لم يكن يقنع به الكثيرون لقناعة في نفسهم أجزم بأنها قد تغيرت الأن ، فهنيئا لكم أيها المعلمون والمعلمات ولتفخروا بإنجازكم الذهبي ، ولنكن جميعاً يدا واحدة في المرحلة القادمة التي سنبدأ بها صفا واحدا للمضي بهذا المنجز الطيب الذي جهدتم لتحقيقه .