الصحف اليومية تطويع أم تطوير؟
محمد علاونة
تشهد الصحف اليومية تحولات دراماتيكية تزامنا مع رياح الربيع العربي الذي انعكست تداعياته على الشأن المحلي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهنا يمكن إضافة شق جديد وهو الإعلام.
بعد هدوء عاصفة تنحية رئيس تحرير صحيفة الغد -مستقلة- موسى برهومة والجدل الذي رافق تلك الحقبة، بدأ العاملون في صحيفة الرأي- المقربة من الحكومة- إضرابا لتحسين المعيشة، ووضع سلم عادل للرواتب انتهى بتلبية المطالب حتى تبعه إلى وقت قريب تعيين الكاتب الصحفي سميح المعايطة في صحيفة الغد وقبلها "العرب اليوم" قبل أن يتسلم منصب مستشار حكومي رئيسا لتحرير الرأي.
تغيرات "الغد" وإن كانت مبكرة، لكن لا يمكن فصلها عن مدونة سلوك وضعتها حكومة سمير الرفاعي السابقة، وعلاقة هذه المدونة مع خط الصحيفة المعتاد الذي شهد تغيرا بسيطا تمثل بتوسيع رقعة الحكومة في الصحيفة بعد رحيل برهومة والرفاعي معا.
يختلف اثنان إن كانت الإجراءات في هذه الصحف تأتي تطويعا للصحافة المحلية أم أنها في إطار التطوير عندما اشتكى الرفاعي بأن صحيفة الرأي نفسها لم تستطع أن تدافع عن الحكومة في قضايا أساسية، على غرار التلفزيون الرسمي، وإنها تحتاج لقفزة لتواكب مجريات الأمور المحلية والعالمية.
بعد "الغد و"الرأي" وكأنه شأن مخطط له تظهر على السطح أنباء عن بيع صحيفة العرب اليوم-مستقلة- لمستثمر تركي، ما أن يبدأ الجدل حتى تهدأ عاصفة تداول معلومات تطويع الصحيفة المعارضة بنفي رئيس مجلس إدارتها رجائي المعشر النبأ، يبدأ موظفو صحيفة الدستور-مقربة من الحكومة- اعتصاما مفتوحا للمطالبة بتحسين المعيشة يساندهم الوسط الصحفي ونقابة الصحفيين وإدارة التحرير في الصحيفة وتُلبى المطالب، لتأتي صفقة بيع الضمان الاجتماعي لما نسبته 31 في المئة مما تملكه في الصحيفة لشركة هي أصلا مملوكة للضمان الذي أبقى على ملكية نسبتها 2 في المئة.
في عرف الشركات ذلك يعني أن "الضمان" استطاع أن يضيف عضوا أو أكثر في مجلس الإدارة ما يتيح بتنحية أصحاب ثاني حصة وهم آل الشريف الذين تبوؤا مناصب رؤساء تحرير –وزير الإعلام السابق نبيل الشريف والإعلامي أسامة الشريف- ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام سيف الشريف.
في موضوع "الدستور" التي كانت امتدادا لصحيفة المنار التي صدرت في أوائل الستينيات وصحيفة فلسطين اللتين دمجتا معا في عام 1967 في مؤسسة واحدة حملت اسم "الدستور" هنالك وجهتا نظر الأولى تقول إن خط الصحيفة لطالما ساند القضية الفلسطينية، ولعبت دورا أساسيا في دعم القضية الفلسطينية كوسيلة إعلامية بما يتناقض وعملية السلام الحالية وموقف البلاد السياسي من هذه الحقبة، مع وجود بعض الاختراقات لسقف الحرية التي تحدده إدارة التحرير. وجهة النظر الأخرى تعتقد أنه آن الأوان أن تنتقل الصحيفة حالها كحال التغيرات المحلية والإقليمية لمرحلة جديدة يتنوع فيها مضمون التحرير والشكل لتكون قادرة على المنافسة بعكس الخط القديم الذي كان يتخذ لونا واحدا.
آخرون يذهبون إلى أبعد من ذلك بأن تطورات جذرية تحتاجها الصحيفة في مسائل التحرير والعرض، لا مزيدا من التطويع على اعتبار أنها اتخذت خطا موازيا للحكومات المتعاقبة بإدارة الشريف أنفسهم.
أما تحولات "العرب اليوم" فقد جاءت بشكل مختلف، فسبق تعيين فهد الخيطان كرئيس تحرير بعد أن حمل رئيس تحريرها السابق طاهر العدوان حقيبة الإعلام في السلك الحكومي، والرجل اكتشف فيما بعد وبالعامية "أن الجو مو جوه"، وعلى نحو ضيق أشيع بعكس المتعارف عليه أن استقالة العدوان من الحكومة جاءت على خلفية رفضه قانون المطبوعات الذي يضيق على الإعلام، بل جاءت بسبب رفض الحكومة لإستراتيجية الإعلام التي أعدها التي أيضا طلبها الملك عبدالله الثاني بنفسه كونها تتعارض والإستراتيجية الإعلامية الخفية التي ننفذها الحكومة حاليا، وتسرب منها عبر قنوات ضيقة الشيء القليل خلال حكومة الرفاعي السابقة.
إذا، تعيين مصطفى صالح رئيس تحرير مسؤول وفؤاد أبو حجلة رئيس تحرير لصحيفة الغد، ومحمد حسن التل رئيس تحرير مسؤول ونائبا لرئيس مجلس الإدارة في الدستور، وسميح المعايطة رئيس تحرير مسؤول للرأي، وأنباء عن بقاء فهد الخيطان رئيسا للتحرير مع عودة طاهر العدوان رئيسا لمجلس الإدارة أو الاستعاضة بآخر بدلا الخيطان وإن كان الاحتمال ضعيفا، يشي بأن من يديرون هذه الصحف هم أصحاب كفاءة ولديهم تاريخ مهني في الصحافة، لكنه في بعض الأحيان امتزج بعبق الحكومة بتولي مناصب حكومية أم داخل الصحف ذاتها.
القراءة الأخيرة بما يحدث أن الحكومة الحالية والمقبلة تدرك أهمية دور الإعلام كأداة في تحريك الرأي العام وضرورة إعادة تنظيم الصف الإعلامي على الأرض بعد أن سبحت المواقع الإخبارية في الفضاء، فأولا الورقي يتبعه الالكتروني عبر قوانين تطبخ على نار ساخنة، لكن ما يقطع الشك باليقين المسار الذي ستتخذها هذه الصحف خلال الأشهر القليلة المقبلة وتناولها للوقائع المحلية والعالمية ومعالجتها لقضايا مهمة فإما أن تطيع وإما أنها تتطور.
وفي قراءة تاريخية لأداء الصحف الورقية اليومية فإن صحيفتي الرأي والدستور كانتا تتصدران المشهد بعد زوال مأساوي لصحيفتي الشعب والأسواق، إذ كانت الصحيفتان تنقلان وجهة النظر الحكومية على اعتبار مساهمات مؤسسة الضمان الاجتماعي، لتأتي صحيفة العرب اليوم وتصدر في 1997 كأول صحيفة يومية مستقلة وبخط مغاير اتخذ الطابع القومي إقليما في الدفاع عن قضيتي العراق وفلسطين، وطابع المعارضة في كشفها وإثارتها لقضايا محلية مهمة قلبت مضاجع حكومات وأقالت مسؤولين، حتى وجدت الصحيفتان الرئيستان ضرورة لمواكبة تحركات "العرب اليوم" والخروج عن مسار وكالة الأنباء الاردنية (بترا) التي شهدت تحولات نوعية في وقت لاحق، لكن "العرب اليوم" كانت أكثر سرعة حتى جاءتها ضربة تعاني منها حتى اليوم بعد كسر عظم بين سياستها وحكومة عبد الرؤوف الروابدة مذ أفرز تغييرات جذرية في إدارتها حتى عادت لإستقرارها من جديد، وفجأة تصدر صحيفة "الغد" في عام 2005 التي أضافت نقلة نوعية في المسار الإعلامي من حيث الشكل والتنظيم وإضفاء لمسات إجتماعية على مضمونها الذي لاقى إعجابا من القراء، وجاءت تسميتها "الغد" على اعتبار انها تقود التغيير وتتطلع للمستقبل، فبدأت الصحف الثلاث الأولى تدخل مضمار منافسة لتمتاز كل منها بما يخصها وأكثر من مرة طورت "العرب اليوم" و"الدستور" و"الرأي" الشكل دون المساس بشكل جذري للمضمون فبقيت الأولى معنية بالقضايا المحلية والدفاع عنها مع سقف مرتفع بينما تلكأت الأخريان في اللحاق بسبب إشكالات إدارية وتضخم في الكادر الوظيفي.
اليوم هنالك أربع صحف يومية أخرى غير تلك التي تشهد تغيرات فهنالك صحيفة "السبيل" التي تحولت ليومية في 2009، و"جوردان تايمز" الناطقة بالإنجليزية. و"الأنباط" وصدرت عام 2008 ومالكها المستثمر الإعلامي رياض الحروب، والديار ومالكها عضو مجلس النواب محمود الخرابشة.