زرت البارحة الباشا سميح بينو رئيس هيئة مكافحة الفساد؛لاسمع منه، الجديد عما يجري على صعيد مكافحة الفساد في الأردن،خصوصاً ان هذا الملف يثير شهية الرأي العام لاعتبارات كثيرة.
تسمع منه الكثير، لكنك تخرج بانطباعات هامة تقول ان أخطر أنواع الفساد في الأردن، هو ذلك النوع المغطى بقرارات وبورق رسمي، وبموافقات تمنحه الشرعية القانونية، بحيث لا يكون هناك ثغرات تثبت وجود فساد مستتر.
لم يعد الفساد مجرد فتح ساذج للخزنة، وسرقة مليون من الدنانير، فهذه سرقات بدائية وقديمة ولم تعد اسلوباً للفاسدين، وبدلا عن ذلك يتم اللجوء الى الفساد المشرعن والمغطى بورق رسمي وبتواقيع وقرارات، فتتحول القصة من فساد ُمشهر الى خطأ أو سوء اجتهاد.
الفساد أيضاً في الشركات المساهمة العامة احد أخطر الملفات، التي تتابعها هيئة مكافحة الفساد، وتجد عشرات آلاف المساهمين في الأردن ممن يشترون اسهماً لايربحون قرشاً، لان جمع المال من يد المساهمين الصغار، يتبعه تبديد متعمد للمال، فيصبح المساهم مجرد جسر لتنفيذ رغبات الادارات بتكييش «كل المال» تحت مسميات مختلفة،من المصاريف الى المياومات،وصولا الى المكافآت.
احيانا يتم تشكيل شركة مساهمة بأموال الناس رأسمالها كبير،ويتم ضخ بضعة ملايين من كبار المساهمين كطعم لصيد السمك،وتقوم الشركة بقرار رسمي، بشراء شركات اخرى خاسرة،ودفع مبالغ مالية طائلة،مقابل اسم الشركة الخاسرة،وتكون الخاسرة ملكاً لاحد النافذين في ادارة الشركة الأولى!!.
الفساد في القطاع الخاص هو الاخطر ايضاً من الفساد في القطاع العام،لان الفساد في القطاع الخاص لايتنبه اليه احد،وكل التركيز هو على فساد القطاع العام وحسب،فيكون همنا قارئ عداد المياه وموظف البلدية ومفتش الصحة، بدلا من الحيتان الكبار.
ماهو سيىء في كل هذا الملف هو تضرر البيئة الاستثمارية،ايضاً من كثرة الحديث عن محاربة الفساد وانتشاره،والهيئة تقول لاي مستثمر عربي ، أو أجنبي ان عليه ألاّ يسكت ابداً اذا تعرض الى اي محاولة للابتزاز او اجباره على دفع الرشاوي.
مازال امامنا الكثير في ملف محاربة الفساد لان هناك تعديلات على القوانين يجب ان تتم،ولان هناك حاجة الى قوانين جديدة حتى تكتمل كل الحلقات، ولان تسييل المعلومات من كل الاطراف بما في ذلك المتضرر امر حيوي لنجاح محاربة الفساد في الأردن.
الفساد يثبت ذاته.قلت للباشا بينو،لان البحث عن دليل على فساد شخص او مسؤول سابق او حالي،كالبحث عن ابرة وسط كومة قش،والفساد يثبت ذاته بطريقة بسيطة وعلنية ومكشوفة وواضحة.
إذ تعرف رواتب اي مسؤول طوال حياته المهنية وكم بلغت،وترى في ذات الوقت ممتلكاته المقدرة بملايين الدنانير،فأن ممتلكاته الظاهرة دليل ساطع على الفساد،لان قيمة هذه الممتلكات تساوي مليون ضعف رواتبه،فمن اين له هذا؟!خصوصاً،ان لاارث ولاميراث من الاباء والاجداد!.
علينا ان نستدير دورة كاملة باتجاه ملفات الفساد المغطى قانونياً،لان هذه الملفات هي الاخطر،ولان من خلفها اجتهدوا بكل مالديهم من ذكاء لتغطية فسادهم،تاركين عيوننا على اللصوص السذج الذي يسرقون الفاً ويهربون،وتصير قصتهم قصتنا الأولى.
mtair@addustour.com.jo
ماهر ابو طير يكتب: مايقوله «الباشا» عن الفساد
أخبار البلد -