مرة ثانية وثالثة أقول بأن فساد القطاع العام نقطة في بحر فساد القطاع الخاص، وغالبية الذين صموا أذاننا بشعارات محاكمة الفاسدين لا يرون في هذا الشعار غير وسيلة لإسقاط السياسيين الرسميين وخلط الأوراق، ولا يعرفون شيئا عن الفساد الضخم في القطاع الخاص.
وعلى سبيل المثال فان فساد شركة مساهمة خصوصية واحدة فاق في ضرره قضية الكازينو وقضية المصفاة مجتمعتين ولم يعرف بها أحد بسبب الحبكة القانونية المحكمة لنظام الشركة من قبل محامين مختصين.
فقد ضمت تلك الشركة أكثر من ألف وستماية مساهم دون أن يقرأ أو يعلم المساهمون لأن نظام الشركة لا يجيز المشاركة في اجتماعات الهيئة العامة الا لحاملي الأسهم الممتازة وهما اثنان فقط تمكنا من الاستيلاء على أكثر من ثلاثين مليون دينار من أموال المساهمين بتغطية مدققي الحسابات، ولم تتحدث الصحافة ولا قامت الدنيا على رأس مدير الشركة ولم تستطع حتى نيابة أمن الدولة أن تضع يدها على القضية.
أما الفساد الأكبر في القطاع الخاص والذي يضيق بحديثه ومعلوماته المقام فهو قضية بعض الشركات القابضة، التي ينبغي أن يكون العديد من رؤسائها ومجالس إداراتها بين يدي العدالة القضائية ففسادها واضح وضوح الشمس ولكنه لا يصل إلى العلن الا حين يدب الخلاف على الغنيمة بين (الحيتان) وتبدأ عملية تصفية الحسابات، أو يظهر فجأة مساهم أمين نزيه يحاول استخدام نصوص القانون (الضعيف) لتقويم الاعوجاج ووقف الفساد.
وحتى لا نطيل عليكم نختصر ونقول أن الشركة القابضة هي شركة مساهمة عامة تقوم بالسيطرة المالية والإدارية على شركات أخرى تدعى بالشركات التابعة، ولها أن تقدم القروض والكفالات والتمويل للشركات التابعة لها، وتملك الأسماء والعلامات التجارية وغيرها من الحقوق المعنوية وحقوق الامتياز..
وهكذا يقوم مجموعة من رجال الأعمال بتأسيس شركة مساهمة عامة قابضة يتداعى المواطنون لوضع مدخراتهم في أسهمها فيتجمع لديها ملايين الدنانير وتسيطر المجموعة إياها على مجلس الإدارة بحكم تكاتف أسهمهم في التصويت، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية وهي مرحلة الفساد البسيط المتمثل في الرواتب الخيالية للمدراء وغالبيتهم من عائلة أو أنسباء أو أصدقاء رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والمدير العام، ثم المكافآت والسفرات وبدل التنقل (رغم أنهم لا يتزحزحون من أماكنهم).
المرحلة الثالثة الأهم والأخطر تتلخص في قيام الشركة القابضة بشراء غالبية أسهم شركات خاصة (متعثرة) يمتلكها بعض أعضاء مجلس الإدارة أو أقاربهم أو لهم مصلحة شخصية (عمولة) في شرائها بأضعاف قيمتها، وشراء حقوق امتياز استعمال أسماء تجارية معروفة مثل أصناف طعام وأسماء مطاعم بملايين الدنانير، أو تحصل تلك الشركات الخاصة الفاشلة على قروض ضخمة من الشركة القابضة بحيث يبدأ السادة أعضاء مجلس الإدارة باقراض أنفسهم ويقتسمون أموال المساهمين، وإذا تعثر السداد (فنظرة الى ميسرة) و هكذا أيها السادة يتخلص أعضاء مجالس إدارة الشركة القابضة من شركاتهم الخاصة الخاسرة أو يلهفون لها تمويلا ضخما يبقي لهم أرصدة لنفقات رحلاتهم وسياراتهم والسيجار الكوبي والانتقال إلى مشروع فساد جديد مع فريق جديد.
والى لقاء مع مقال أخر لأسلوب جديد من الشركات العائلية التي تسبح في أموال الشركات المساهمة العامة وكيف يجري تفصيل العطاءات في شركات مساهمة عامة على مقاس الموردين من العائلة الخضراء نسبة إلى الضوء الأخضر للمرور...
m.sbaihi@hotmail.com