قبل عدة اشهر ، توفي شاب من احدى العشائر التي نعتز ونفخر بها ، ونسأل الله لفقيدها الرحمة ، فكان هناك استجواب في مجلس النواب ، عن ملابسات الوفاة وظروفها ، وفيما ان كان هناك تقصير او اهمال طبي ، وبعد ذلك باسابيع ، توفي شاب من عشيرة اخرى نحترمها ونقدرها ، فاتصل وزير الصحة باهل الفقيد رحمه الله ، مستفسرا ايضا عن ظروف الوفاة ، وعن اي اهمال او تقصير تسببا بها .
اننا هنا نشكر مجلس نواب الشعب ، ووزير الصحة الذي احتل هذا الموقع لخدمة الشعب ، على اهتمامهما بحياة المواطنين ، ومبادرتهما لمناقشة اي اهمال او تقصير طبي ، في اي مستشفى ، يؤدي الى خسارة حياة احد ابناء الوطن ، وما يتركه ذلك من اسى وحزن ومآسي ، لعائلته واهله ، ونتمنى ان يعم ذلك الاهتمام ، ليشمل كل ابناء الوطن ، وفي اي جزء من ارض الوطن .
لكن ما لاحظناه ، وزاد في ألمنا وحزننا ، ان تكون مثل هذه المبادرات انتقائية ، تشمل برعايتها فئة معينة من المواطنين ، لان الاردنيين كما يبدو ، يصنفون الى فئات ، مواطن اصيل ، يستحق الاهتمام ، وله حقوق ، واخر يسمى مجازا مواطن ، وهو غير ذلك فعليا ، عليه واجبات ، ولا يستحق من نواب الشعب ، كل الشعب ، ان ينظر في امر وفاته في ظروف مشابهة ، ولا يستحق من وزير الصحة ، المعني بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين ، كل المواطنين ، نفس الاهتمام ، لاسباب نعلمها ، لكننا لا نقبل بها ، وعار ان يكون مثل هذا التمييز في دولة الدستور والقانون ، وفي القرن الحادي والعشرين ، فالمادة السادسة من الدستور الاردني تقول "الاردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين" ، وهذا يعني ، انه لا يوجد مواطن سوبر ديلوكس ، ومواطن عادي ، واخر اقل من عادي .
ما دفعني الى ما قلت ، انه بين حالتي الوفاة للشابين رحمهما الله ، كانت هناك حالة وفاة مأساوية ، لطبيب شاب في مستشفى الكرك الحكومي ، بتاريخ 14/6/2011 ، هو الدكتور أسامة عاصي نصراوين ، رحمه الله ، اظهر تقرير الطب الشرعي ، انها كانت بسبب الاهمال والتقصير ، وتحدثت عنها في حينه صحف ومواقع اخبارية ، وعلم بها اناس في اوروبا وامريكا ، تفاعلوا مع الحدث ، لكن نواب الشعب الاردني ووزير الصحة تجاهلوا هذه المأساة ، لانه يبدو ان الامور تقاس عندهم بمقاييس اخرى .
اننا امام هذا التمييز الفاضح بين المواطنين ، نعيش مأساة اضافية ، مأساة مواطنتنا ، ونسأل نواب الشعب ووزير الصحة ، ما هي مواصفات المواطن الاردني الذي يستحق اهتمامكم ، وكيف يمكن ان نحصل على حقوقنا ، اسوة بفئة اخرى من المواطنين ، ما دمنا نقوم بكل واجباتنا ، من دفع الضرائب ، الى الدفاع عن الوطن والتضحية من اجله ، ونحن منتمون لهذا الوطن ، ومخلصون لقيادته الهاشمية ، ولن يزايد علينا احد بذلك ، فهل المنتمون لهذا الوطن ، والمخلصون لقيادته ، يصنفون ايضا الى فئات اعلى وادنى مرتبة ؟ هل المواطن ، اي مواطن ، هو اغلى ما نملك ؟ هل نحن مضطرون للجوء الى منظمات حقوق الانسان العالمية ، كي نحصل حقوقنا كبقية المواطنين ، ونحقق المساوة على ارض الواقع ، لا شعارا نتغنى به فقط صباحا ومساءا ؟ هل هذه ترجمة عملية صحيحة ، لتوجيهات جلالة الملك ، بالاهتمام بالمواطن الاردني ، ورفع مستوى معيشته ، وتوفير كل الخدمات له ، وعلى رأسها الخدمات الصحية ؟ كيف نفسر هذا التمييز الواضح بين المواطنين ، بثلاث حالات وفاة ، متقاربة بالمكان والزمان والاسباب ؟
مالك نصراوين
24/07/2011