يبدو ان ثورات الشعوب العربية قد اثرت وبشكل مباشر على توجهات وافكار الاحزاب السياسية الاردنية بشكل جعلها تتعامل بمنهجين او اسلوبين مع القضايا الداخلية والخارجيه واستطاعت ابراز التناقضات الكبيره والالوان المختلفه في داخل هذه الاحزاب وبشكل قد يفقدها المصداقية امام الشعب الاردني المثقف الذي يستطيع ان يميز بين الصح والخطأ وبين الطروحات والدعوات الحقيقية الى الاصلاح ومكافحة الفساد وبين الدعوات التي يكون ظاهرها الدعوة الى الاصلاح ومكافحة الفساد ولكن باطنها شيء اخر مختلف كليا .
فما لا افهمه ان تهب احزابنا السياسية الاردنية بمختلف توجهاتها وافكارها من اسلامية وقومية ويسارية الى الشارع العام ومنذ شهور عديده مستفيده من مساحة الحرية التي يتمتع بها الاردن لمطالبة الحكومات الاردنية المتعاقبه بضرورة الاصلاحات السياسية والاقتصادية واطلاق الحريات العامه وحماية حقوق الانسان وما الى ذلك من المطالب التي لا زلت هذه الاحزاب تنادي بها ولغاية الان ولبعد سنوات لانه لا يوجد بجعبتها شيء لتفعله غير ذلك وهي بالاصل غير قادرة على وضع برامج وخطط اقتصادية وسياسية تكون بديله للبرامج الحكومية وقابله للتطبيق على ارض الواقع فالمواطن العادي لا يريد من الاحزاب ان تقتصر مهمتها على تنظيم المسيرات والاعتصامات وان كانت احدى واجباتها كطريقه لعرض المطالب امام الحكومات او احد مظاهر عرض العضلات واظهار قوتها وتأثيرها في الشارع ولكنها ليست الوظيفه الرئيسية والنهائية للاحزاب ولكن المواطن يريد احزابا ذات برامج وخطط متنوعه قادره على احداث التغيير المنشود في حياة المواطن العادي ورفع مستوى معيشته وتحسين نوعية الحياة حيث ان الهم الاكبر للشعب الاردني هو الاقتصاد ورفع مستوى المعيشه ثم يأتي بعد ذلك الاهتمامات السياسية ولا يجب ان ننظر الى ما يحدث في عمان او بعض المدن الكبيره ومن فئة قليله من الشعب على ان ذلك يمثل الشعب الاردني بأكمله فزيارة واحده لقرانا وبوادينا ومخيماتنا المختلفه سوف يلاحظ ذلك بوضوح .
والمؤلم بالموضوع هذه الازدواجية في التعامل التي تنتهجها احزابنا الاردنية وتظهر سياسية الكيل بمكيالين اتجاه قضايانا الوطنية من ناحية وموقفها من بعض الانظمه والتحركات للشعوب العربية الاخرى من ناحية اخرى فمن الغريب جدا ان تطالب احزابنا الحكومات المتعاقبة بالحرية واحترام حقوق الانسان وضرورة اجراء اصلاحات سياسية ودستورية تنتقل بنا في الاردن على حد قولها الى الدولة المدنية العصرية وخلال جميع المسيرات التي حصلت في عمان او بدأت بالظهور في بعض المدن الاخرى اطلقت نفس الشعارات والخطابات ونفس اليافطات التي رفعت بأول مسيرة لا زالت ترفع لغاية الان حتى بعد مرور عدة شهور .
ثم نرى موقفا غريبا جدا وغير مألوف لديها عند الحديث عن ثورة الشعب السوري وهذا الموقف المتناقض ضد حقوق شعب عربي لا يزال ومنذ عشرات السنين يرزح تحت حكم مستبد وامني بكل ما للكلمه من معنى لا يحترم فيه حقوق الانسان ولا يحترم التعددية الحزبية لا بل يمنع على اي حزب اخر ان يعمل بحرية داخل سوريا حيث ان الدستور السوري ينص صراحة على ان حزب البعث هو الحزب الحاكم والوحيد ولا يجوز لاي حزب اخر الخروج الى الحياة فما ان بدأت ثورة الشعب المظلوم ضد نظامه الظالم حتى تداعت بعض احزابنا تدافع عن النظام السوري ضد ما تسميه المؤامره الخارجية التي تحاك ضد نظام الممانعه والمقاومه وتمنح النظام العذر المشروع في قتل مواطنيه والقاء بعضهم في السجون بسبب هذه المؤامره الخارجية وكأن الشعب السوري هو من دبر هذه المؤامره وخطط لها ، اليس هذا موقفا غريبا جدا من احزابنا الاردنية والاغرب من ذلك انها لا زالت تطالب الحكومه الاردنية بالاصلاحات السياسية واحترام حقوق الانسان وما حدث في مسيرة يوم الجمعه الماضية في مدينة الكرك من مناوشات بين بعض الاحزاب القومية واليسارية والاسلامية بين ما هو مؤيد للنظام السوري ومدافع عنه وبين من هو مدافع عن الشعب السوري وحقوقه المشروعه وضد النظام ما يثبت على ان سياسية الكيل بمكيالين هي من السمات الهامه لاحزابنا السياسية والتي استفاد العديد منها هنا في الاردن من الريبع العربي وخرج الى الساحه والى الشارع بعد ان كاد يهوى الى الارض ويختفي عن الساحه السياسية الاردنية .
نحن لسنا ضد اي حزب سياسي اردني مهما كانت افكاره وتوجهاته فالتعددية الحزبية تفرض وجود اكثر من لون وفكر على الساحه لاثراء العملية السياسية ولكننا ضد ان يكون نهج هذه الاحزاب متقلب المزاج من ناحية تعامله مع دولته التي تحتضنه وتفتح له الابواب مشرعه للعمل بحرية لا بل ويتلقى دعما ماليا من خزينة الدوله سنويا ومع بعض الانظمه العربية الاخرى التي تضيق الخناق على شعوبها وتمارس ابشع انواع القتل والاعتقال باسم المقاومه والممانعه وضد المؤامرات الخارجيه .
كيف ستسطيع هذه الاحزاب اقناعي انا المواطن العادي بافكارها وتوجهاتها ما دامت تمارس هذه السياسه علنا وكيف اقتنع ان ما تقوم به من مسيرات واعتصامات يصب في مصلحة الوطن والمواطن على حد قولها وهي تقف الى جانب الظالم ضد المظلوم وتمارس شيء عكس ما تطالب به داخليا ولكن ما اردت قوله ان فاقد الشيء لا يعطيه .