أود هذه المرة أن أتحدث عن دائرة المخابرات العامة، من زاوية أنها تشكل اليوم أساسا قويا في الحفاظ على أمن الدولة الذي يواجه تهديدات لم يسبق لها مثيل على مدى العقدين الأخيرين، نتيجة ثورة المعلومات والاتصالات، وسهولة اختراق القوى المعادية على شكل مراكز ومنظمات، تكتسب الشكل القانوني في وجودها ومهامها المنظورة والخفية.
يقول الباحثون في الشؤون الأمنية أنه لا يوجد بلد في العالم إلا وتتواجد على أرضه مخابرات تابعة لدول عديدة، تتبادل المعلومات وتتحالف مع بعضها أو ضد بعضها وجميعها تستفيد من قواعد البيانات التي يسهل الدخول إليها، فضلا عن استفادتها من دراسات وأبحاث تنجز لغايات معينة، بحيث أضحى الأمن المعلوماتي في صميم الأمن الوطني الذي يمتد إلى مستوى التعامل الإستراتيجي والسياسي.
وقد تجد دوائر المخابرات العامة الوطنية نفسها أمام سلسلة غير متناهية من المخاطر الأمنية التي يمكن أن تهدد استقرار الدولة وتماسكها، نتيجة انكشاف قواعد البيانات، والرصد الشامل من خلال الأقمار الصناعية لكل شيء بما في ذلك المكالمات الهاتفية، بحيث لم تعد هذه الأجهزة قادرة وحدها على التعامل مع هذا الحجم من التحديات الأمنية بمعزل عن الخطط التقنية من ناحية، وعن مساندة مراكز الأبحاث الوطنية لتقديم مساهمتها في توفير المعلومات التي من شأنها تحصين أمن واستقرار الدولة.
تحظى دائرة المخابرات العامة في بلدنا بثقة عالية على المستوى الشعبي، خاصة بعد النجاحات التي حققتها في كشف بؤر الإرهاب، وإفشال المخططات الإرهابية التي كانت تستهدف المواطنين والمؤسسات على حد سواء، وقد شهد لها الجميع بقدرتها الهائلة على ضرب قواعد الإرهاب داخل المملكة وخارجها.
ومن المؤكد أن تلك الدائرة قد طورت إمكاناتها وأساليبها كي تتعامل بمهنية عالية مع حالة الفوضى التي تسود المنطقة، والحيلولة دون وصولها إلى بلدنا بحيث تبدو نتائج الإستراتيجية المشتركة مع القوات المسلحة الأردنية، وجهازي الأمن العام والدرك واضحة وملموسة من خلال حالة الأمان والاستقرار التي يعيشها الأردن، رغم حجم التهديدات وتنوع مصادرها ومآربها.
وفي اعتقادي أنه قد حان الوقت لكي نعيد النظر في مستوى التعاون بين دائرة المخابرات العامة ومراكز الأبحاث الوطنية وغيرها من الهيئات المحترمة التي أصبح من الضروري أن تعمل من خلال المفهوم الجديد للأمن الوطني، بحيث يقوم على شراكة حقيقية، وبالقدر الذي توسعت فيه العناصر التي تتشكل منها المنظومة الأمنية، وتعاظمت معه أساليب التهديد لتلك المنظومة.
لم يكن الأمن في بلدنا مهمة وظيفية في أي وقت من الأوقات، إنه بالنسبة لنا قضية وطنية، وإذا كانت بعض الأفكار المغلوطة قد سيطرت على عقول بعض النخب السياسية والثقافية في مراحل معينة، فليس هناك من مبرر اليوم لعدم إدراك القيمة الحقيقية لأجهزتنا الأمنية، ومنها المخابرات العامة، ذلك أن الانهيارات التي شهدتها دول عربية كانت نتيجة الاختراق المباشر للشعوب قبل الدول، وعلى ذلك نحن مدعوون جميعا إلى تشكيل جبهة وطنية متماسكة في وجه المخاطر التي يتعرض لها بلدنا، لعلنا بمشيئة الله نكون أكثر قوة في التعامل مع ما تحمله نذر الشؤم على منطقتنا في قادم الأيام.