اخبار البلد
تتلاحق الأخبار حول نية العاملين في مصنع الشركة العربية لصناعة الاسمنت الابيض التصعيد تجاه الحكومة للضغط على وزارة الصناعة والتجارة بحثا عن قرار بوقف استيراد الاسمنت الأبيض من الأسواق العالمية حماية لمنتجهم المحلي!!
للوهلة الأولى لا بد أن يأخذنا التعاطف مع العمال الذين يشتكون من اغلاق يهدد مصنعا حكوميا، ونبدأ هجوما على وزير الصناعة والتجارة الذي رفض استقبال العاملين بحسب بياناتهم المتلاحقة ، إلا أن نظرة مقربة على المشهد تجعلنا نتوقف لساعات أو ربما لأيام لاعادة دراسة الأمر والامعان في تحليله قبل اصدار حكم القاضي ... فلا يمكن أن يكون الطريق بفرعين فقط : إما وقف الاستيراد أو اغلاق المصنع ...
الطريق الثالث يحتم قبل الشروع في البحث عنه ان نحلل خسارة الشركة العربية لصناعة الاسمنت الأبيض ، وهي شركة أردنية سورية تتشارك في ملكيتها حكومتي البلدين، تم افتتاح مصنعها في الاردن لخدمة السوقين الاردني و السوري بمادة الاسمنت الابيض ، وبقيت لاعبا وحيدا في السوق الاردني تنتج و تصدر ما يفيض من انتاجها الى الأسواق المجاورة!
وكعادة كل مشاريعنا الحكومية ، سار القطار الاقليمي بأسرع من قطارنا الذي طالما كان متثاقلا مزهوا بالانجاز بدلا من المحافظة عليه ، فتعددت مصانع الاسمنت الأبيض في البلاد المحيطة ، وعملت هذه المصانع على تطوير التكنولوجيا التي تستعملها بحثا عن انتاج أفضل و بكلفة أقل ، بينما بقينا نحن متكئين على الحماية المحلية من أخطار الغزو الاقتصادي الخارجي!
حماية المنتج المحلي بالشكل الذي يطالب به العاملون هو حماية لمئتي عامل مقابل تضرر عشرة ملايين نسمة في الاردن من جور الاحتكار ، ولعل لدينا في الاسمنت الاسود أكبر مثال على صحة ما نقول : فحين كان هناك مصنع وحيد في الاردن نحميه بمنع الاستيراد كان المستهلك هو الخاسر الوحيد في المعادلة ، بينما اليوم ومع وجود خمسة مصانع محلية أصبح الاستيراد متاحا قانونيا لكنه غير مجدي تجاريا مما حقق المعادلة المثالية : أسعار تنافسية في صالح المستهلك ، وحماية اجبارية للمنتج المحلي نتيجة تنافسية المصنعين في تخفيض كلفهم و ضبط جودة منتجاتهم !
لعل أهم دور تقوم به وزارة الصناعة و التجارة هو امساك العصا من المنتصف وحفظ التوازن بين مصالح المنتج المحلي ومصالح المستهلك المحلي (المواطن) ... ويبدو أن النيران التي يتم اطلاقها بين الفينة و الاخرى على وزير الصناعة والتجارة من قبل بعض اللوبيات سببها الأساسي هو قيامه حقيقة بواجبه فيما يتلق بحفظ هذا التوازن لما فيه المصلحة العامة!
حان الوقت لنواجه الحقائق، فلا يمكن السكوت طويلا على الدعوات لحماية المنتجات المحلية دون وجود حقيقي لفعل اغراق السوق! ولا يمكن أن يدفع المستهلك دائما أخطاء الحكومات السابقة وادارات الشركة المتوالية التي ادت الى الحفاظ على وضعية الشركة "مكانك سر" بدلا من تطوير المصنع و تحديثه و تشغيله وفق أفضل الأسس لضمان قدرته على التنافس مع الاسواق المحيطة!
العاملون أنفسهم يناقضون كلامهم ،فهم يؤكدون أن المصنع قبل سنوات كان ينتج و يصدر ويكفي السوق المحلي، فيما اليوم أصبح غير قادرا على المنافسة المحلية ولا على التصدير الخارجي، فما هو سر كل هذا التدهور من مصنع مصدّر الى مصنع غير عامل ، مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة اقليميا و التي لربما ساهمت في هذا التراجع!