من سيحمي أموال الضمان؟
هي البداية... ولن تنتهي، حيث نقول : "لن نصمت أمام التغول ولن نتوقف أمام سرقة حلم كل عامل أردني"
كيف بدأت الحكاية؟
يعاني الضمان الاجتماعي )وفق ما يصرح به كل مسؤوليه(، من ارتفاع كلفة التقاعد سواء تقاعد الشيخوخة، أو التقاعد المبكر، وقد
قامت الحكومات المتعاقبة بعدة تعديلات لتجاوز مثل هذه المرحلة، وبعد احتسابات اكتوارية متكررة، بين
ً
وجد أن هناك خللا
المصاريف والعوائد، ووجد أن العوائد بأنواعها التقليدية ) الإشتراكات( لن تعادل المصاريف والرواتب التقاعدية
وحيث أن أعدادا كبيرة من المواطنين المؤمنين منذ بدايات الضمان الاجتماعي في ثمانينات القرن الماض ي قد وصلوا الى سن التقاعد أو
أنهم قد تقاعدوا فعلا، لكل الأسباب، طبيعية أو وفاة أو مبكرة، فإن حجم الرواتب والمصروفات المتوقعة ستكون أعلى من العوائد
الناتجة عن الإشتراكات . ويضاف الى ذلك، قرار الدولة بإشراك الكوادر العسكرية والأمنية في الأردن في الضمان الاجتماعي، حيث
سيبدأ ا ول متقاعديها بشكل طبيعي في استحقاق الرواتب التقاعدية ضمن معادلة دقيقة في سنة 2023 تقريبا، وكذلك تحويل
الموظفين من نظام الخدمة المدنية الى الضمان الإجتماعي
وحسب بيانات الإحصاءات العامة للعام 2017 ، يبلغ معدل الأعمار في الأردن للرجال 73.4 سنة وللنساء 76.3 سنة، وبمعدل 74.8
سنة، مما يعني أن المتقاعد يستحق كامل راتبه التقاعدي لمدة تقارب ال 15 سنة، وهذ يربك المعادلة الاكتوارية، بينما كانت معدلات
الأعمار في عام 1990 كمثال للرجال 68 سنة وللنساء 71 سنة مما يعني اختلالا في معادلة الاشتراكات مقابل المنافع. وقد دفع هذا
الحكومات المتعاقبة الى العمل على تغيير معادلة المنافع مقابل الإشتراكات.
ولفهم معادلة الضمان المالية، نوجز لمحة سريعة عن عوائد المؤسسة ومصاريفها
العوائد
• الإشتراكات التي تحسم من رواتب الموظفين والمشتركين )حصة الشركة والموظف وحصص المشتركين غير الأردنيين(
• أرباح الإستثمارات التي تقوم بها المؤسسة
المصروفات
• الرواتب التقاعدية )بأنواعها : الشيخوخة أو المبكر العجز الكلي أو المؤقت، الوفاة، الدفعة الواحدة(
• تعويضات إصابات العمل والمعالجات الطبية
• المصاريف الإدارية ) الرواتب والإمتيازات الوظيفية لكوادر المؤسسة(
• خسائر الإستثمارات
استثمارات الضمان
تتوزع استثمارات الضمان على الأشكال التالية
1 . محافظ الأسهم والسندات في السوق المالي الأردنية
2 . الاستثمارات المباشرة ) فنادق – عقارات – مشاريع مختلفة(
3 . الفوائد البنكية لودائع البنوك
ومن هنا يتبين لنا أن مصير الضمان الاجتماعي بكل مقوماته يعتمد بشكل أساس ي على نوعية الإستثمار وكفاءته، وبالتالي ينصب
الاهتمام بشكل كبير على "الوحدة الاستثمارية "
وقد بدأت قصة الوحدة، تتصاعد كلما حاقت المخاطر بالضمان وأمواله، سواء أكانت من الأيدي العابثة، أو من فشل إداري أو
فساد مفترض. وفي كل مرحلة، وجدت كل الحكومات المتعاقبة نفسها في مواجهة قوى الشعب واقفة بالمرصاد تجاه محاولات
الاستيلاء عليه. وساهم في ذلك كثيرٌ من التسريبات التي ظهرت للعلن في الإعلام عن استهداف أموال الضمان بسوء نية أو سوء
إدارة، ومثال ذلك محالات أحد الحكومات إقناع الوحدة الإستثمارية شراء مباني السفارات الأردنية في الخارج ثم تأجيرها مما يعود
بعائد مجزي مقابل الإستثمار، ثم محاولة استثمار مبلغ 500 مليون دولار في السوق العقارية الأمريكية قبل الإنهيار الكبير عام
2008 ) حسبما كشفه تصريح معالي أمجد المجالي(
وتظهر من خلال ما ورد، أن الحكومات المتعاقبة استمرت بالمحاولة لاستهداف الضمان وموجوداته كلما ظهر عجز في الموازنة،
وبنفس الوقت، وجدت هذه الحكومات نفسها في مواجهة قوى الدفاع عن الضمان
وملخص اللعبة، كان "الوحدة الاستثمارية " التي سميت لاحقا "بصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي"، حيث أنها المسؤول
الأول عن كل أموال الضمان الاجتماعي سواء المتداولة أو الاستثمارات العقارية وغيرها
ولذلك، كانت محاولات الحكومة للإستيلاء على الضمان الاجتماعي تتم من خلال الاستيلاء على واختطاف قرار الإستثمار بما
يخدم توجهاتها ومصالحها.
في تعظيم عوائد الإستثمار ، ولكن تجربة الأردنيين المريرة مع كل الحكومات السابقة،
ً
نستطيع فهم أن الهدف قد يكون نبيلا
وعدم وفائها بوعودها والتزاماتها من جهة، وفشلها في تحقيق معدلات النمو وبيعها أغلب المشاريع الناجحة ضمن مشروع
واحدا ضد هذه التوجهات الحكومية. فغالبية
ً
الخصخصة ثم اكتشاف الخطيئة الكبرى لاحقا، يدفع الجميع للوقوف صفا
الأردنيين مقتنعون بأن الحكومة تهدف الى الإستيلاء على مدخراتهم
وحسب القانون الأساس ي للضمان الاجتماعي، فإن الحك ومة هي الكفيل والضامن لكل أمواله ، وهذا ضمن للحكومة رئاسة
مجلس إدارة الضمان الاجتماعي من خلال وزير العمل وأعضاء آخرين يمثلون النقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني
وبعضا من الخبرات والكفاءات المحلية، وكذلك تعيين الكوادر الأساسية في المؤسسة وفي الصندوق .
وبالرجوع الى سنوات قليلة مضت، كانت مجلس إدارة الوحدة مكونا من 5 أعضاء، منهم ثلاثة من مؤسسة الضمان واثنان تعينهم
الحكومة من خارج المؤسسة. ثم تبين بعد ذلك أنه تم تعديل مجلس إدارة الوحدة )الصندوق( ليصبح 9 أشخاص، منهم 5 من
خارج مؤسسة الضمان، مما يسحب قدرة الضمان على التحكم بأمواله!!!
ثم توالت المحاولات، حيث استمرت الحكومة في مسعاها لسحب سلطة المؤسسة في القرار الاستثماري ، حيث استمزجت
الحكومة ديوان تفسير القوانين في كيفية إدارة صندوق الضمان، ومرجعية قرار الاستثمار بين الصندوق والمؤسسة، وقد ظهر أن
الديوان لم يعط الحكومة رغباتها في المرة الأولى للاستفسار )راجع صفحة 1976 من الجريدة الرسمية الذي يشير الى قرار التفسير
رقم 3 / 2018 (، ثم عادت لصياغة الطلب بطريقة مغايرة، مما دفع الديوان للتصريح للحكومة برغباتها، وهنا بدأت خيوط المؤامرة
تظهر بشكل تدريجي
بالشرح المبسط، يحق للصندوق اتخاذ أي قرار استثماري ضمن السياسة العامة للمؤسسة، فمثلا، يحق للصندوق شراء
سندات إقراض أو شراء قطع أراض ي أو مباني ضمن خط الاستثمار المقر من المؤسسة مسبقا، وفي حالة أن المؤسسة وجدت أن
في القرار الإستثماري، فيحق لها مراج
ً
هناك عيبا عة الصندوق، ولكن "دون المساس بحق وق الغير أو المراكز القانونية المكتسبة
وفقا لما يقره القانون في كل حالة" أي بعد الإجراء، ...وبعبارة أخرى : بعد خراب مالطا !!!!
من المفهوم أن ما استند عليه ديوان التفسير هو قانون الضمان ونظام الصندوق، ونعود بالتالي الى أن التشريع هو أساس
المشكلة من جهة، ومن جهة أخرى فلا يعرف أحد كامل محتوى التفسير الوارد في القرار رقم 3 / 2018 المشار اليه ضمن القرار
رقم 6 / 2018 ، وفيه ما يؤكد اختلاف الاجتهاد عن المذكور سابقا!!!
أين الخلل؟؟
هل في اجتهاد ديوان التفسير؟ أم في قانون الضمان رقم 1 / 2014 ؟ أم النظام رقم 97 / 2014 ؟
لا يمكن أن نشكك في كفاءة أو نوايا القامات الكبيرة في ديوان التفسير، ولكنه من غير المفهوم ما قد حدث، ونشعر أن الحكومة
قد )حشرت( ديوان التفسير في زاوية المفردات الحرجة في القانون والنظام المشار اليهما، مما أعطى نتيجتين مغايرتين في كل مرة
)قرار رقم 3 / 2018 ثم رقم 6 / 2018 .)
المهم في الأمر، ما الذي تهدف اليه الحكومة من وراء التصرف المذكور؟؟
نستطيع تلخيص ذلك، بما يلي
حيث أن غالبية أعضاء مجلس الصندوق معينون من قبل الحكومة التي تكفل وتضمن أموال المؤسسة حسب القانون
الأساس ي للضمان فإنه من المفروغ منه " نظريا" انهم سينفذون سياساتها ، وهنا تكمن المشكلة، حيث ان عقلية الحكومة
الإستثمارية، قد تؤدي الى انهيار منظومة الضمان الاجتماعي لو تركت على هواها لأنها تبحث دوما عن الحلول الأسهل في
تحصيل السيولة اللازمة لتغطية عجز موا زنتها أو لتنفيذ بعض المشاريع غير المجدية من خلال الصندوق
وبعيدا عن نظرية المؤامرة، سنفترض في الحكومة حسن النوايا، ولكننا نقولها بشكل واضح: أننا لا نثق بقدرة الحكومة على
اتخاذ القرار السليم، وحجتنا هي التاريخ الأسود لأغلب الحكومات المتعاقبة
وبناء عليه، نعلن بشكل صريح أننا ضد التوجهات الحكومية الخاصة بصندوق الضمان حرصا على الصندوق ومدخرات
الأردنيين،
ً
ونقدم خيارات النقابة مقابل ذلك، وندعي أن لدينا أفكارا محددة، تتعلق باستثمارات الصندوق، بما يمنع تكرار
حالة بيع الفوسفات والبوتاس والإسمنت والإتصالات والخ.
وسيكون لنا سلسلة من المقالات اللاحقة تتعلق بالنواحي التالية:
1 . أسباب ارتفاع نسبة التقاعد المبكر
2 . الفساد الإداري في الضمان الاجتماعي
3 . استثمارات الضمان الراهنة ووسائل حمايتها
4 . أفكار إستثمارية جديدة تحقق عوائد مجزية
عضو الهيئة الإدارية/المساعد لشؤون الثقافة والإعلام
النقابة العامة للمناجم والتعدين
محمود يوسف عبد العزيز