بينما تعج مواقع التواصل وشاشات التلفاز بكل الكلمات والأوصاف التي تجعل من الأم ملاكاً..دعوني أذكركم أنها إنسان.
إنسان من الممكن أن يحمل صفات حسنة وسيئة في الوقت ذاته، إنسان يخطئ ويصيب، يقسو ويحنّ، يفرح ويحزن، يبكي ويضحك، هنالك أمهات يمارسن الأمومة بذكاء وآخريات يفعلن العكس تماماً.
هنالك أطفال أيتام بوجود أمهاتهم، وأمهات لم ينجبن لكن كل من حولهن يشعر بالأمومة المتدفقة منهن.
الأمومة لا تجعل هذهِ الأنثى ملاكاً، فتحقق فعل الأمومة قد يكون صدفة دون تخطيط، هي حالة بيولوجية بحتة.
الأنثى بطبيعتها وفطرتها أم، وشعور الأمومة موجودٌ فيها قبل أن تخوض تجربة الولادة!
عواطفها، أحاسيسها المرهفة تجعلها أماً بالفطرة.
أما ممارسة الأمومة أصعب بكثير من الحديث عنها، وهذا ما يستدعي الوقوف عندهُ، هنالك ممارسات صحيحة لفعل الأمومة، وهنالك خاطئة.
الأمر يشبه تماماً أي ناحية من النواحي الإنسانية التي نمارسها في حياتنا اليومية إن كنا أمهات أو لم نكن، الأهم نحن لسنا ملائكة، ولا الأم ملاك.
ليست كل أم ملاكاً كما يكثر الناس من قول وكتابة ذلك، أُقدر كل مشاعركم تجاه أمهاتكم، ولكن كل إنسان قادر على أن يكون أُماً.
طفل، أخت، زوجة.. أو حتى رجل!
بالأفعال والمسؤولية والرغبة الصادقة والنقية في العطاء.. عطاء الأمومة هو ذاك العطاء الذي لا مقابل لهُ.
كم من أب تحمل مسؤولية أطفاله، بينما تركتهم الأم بسبب مشكلات الحياة أو الانفصال أو حتى بداعي الحرية والرغبة في عيش حياة من دون أي مسؤولية!
كم أباً بقي يعيش دور الأم والأب معاً عندما توفيت زوجتهُ ورفض الزواج بعدها على الرغم من كل الضغوط التي كانت تحيطهُ؟!
هنالك أمهات سيئات وقاسيات في تربية أطفالهن.. هنالك أمهات يعتبرن أن وجود الطفل هو حجر العثرة في طريقهن نحو النجاح وتحقيق طموحهن!
هنالك أمهات ينجبن فقط لإرضاء المجتمع من ملاحقتهن بصفة العنوسة أو متى تنجبين طفلاً!
هنالك أمهات يخطئ الطفل بسببهن في طريقه نحو الحياة، وبسبب خطأ شنيع ارتكب نجد أطفالاً مرميين على أبواب المساجد وأرصفة الطرقات أو في مكب للنفايات!
هنالك أمهات لا يوجد بينهن وبين أبنائهن أي نوع من انواع الحوار إلا الحوار الهدام للمعنويات والمؤذي والمحطم للطفل.
هنالك أمهات يعتقدن أن الأمومة مجرد فعل إنجاب ورعاية للطفل ومسمى تحملهُ ليقال لها أم فلان.
وبعض الأمهات يعتبرن أن الأمومة عبء ثقيل يثقل عليهن متعة الأيام وتحقيق الطموح والأحلام.
هنالك أمهات لا يعرفهن الطفل إلا في ساعات متأخرة من اليوم عندما يذهب لفراشه ليخلد إلى النوم، بينما تقوم المربية بأعلى درجات الأمومة والاهتمام حتى يناديها الطفل: أمي، فتغضب الأم البيولوجية وتحزن كيف ينساها طفلها وينادي أمي لغيرها.. ببساطة هو أساساً بالكاد يعرفها!
لهذهِ الأسباب وللكثير غيرها لنترك الأم إنساناً بعيداً كل البعد عن الصفات الملائكية.
هنالك أمهات لا نوفّيهن حقهن إن بقينا نرعاهن ونطلب رضاهن طوال العمر، وحياتنا تكون فداءهن، وحياتنا من دونهن مظلمة لا طعم أو لون لها،
فهن ألوان الفرح، أصواتهن سعادة تمحي كل جرح.
الأمهات الحقيقيات هن اللواتي يربين أبناء ليكونوا أفضل مما هن عليه.
الأمومة ليست رعاية وعناية، بل تربية، ثم تربية، ثم تربية.
التربية الجيدة، العادات والقيم الجيدة التي تزرع كبذور في التربة الخصبة وهي الطفل تنتج فرداً فعالاً، وفيهِ خير لأهله ولمجتمعه، ولوطنه، وللناس.
الأمومة كم لا يستهان بهِ من المسؤولية الممزوجة بالحب والوعي، الحب وحدهُ لا يربّي الأبناء!