تتجافى 'جفوني' عن المضاجع.. قهرا وحزنا وهما.. أرهقتني قصص مدن العرب!
قلق أنا ... قهراً عليك يا دمشق.. يا زمردة الشرق ... وحزنا عليك يا بغداد .. يا قاهرة الغرب ... وهما مضاعفا عليك يا فلسطين.. يا سيدة الشرق والغرب!
لم أعرف الخلود الى النوم تلك الليلة .. ممزق الفؤاد ... هنا وهناك ... و'همومي' اخذت رويدا تتهيأ .. تتسلق أضلعي .. وتتحدى واقفه ... تقلّب فقط الأحمر من الصور .. والأسود من الذكريات ... أصابني و'همومي' الأرق ... أراها دائما مخلصة عند الشدائد والمحن ... تسهر ... لا تكل الوقوف... لا أمد الله في عمرها ..
وقد أرهقنا الملل .. وأعيانا السهر ... وطفقنا نبحث عن هواء ... عن مخرج.. علّنا نفترق .. علّنا ننام!
دفعت 'بهمومي' أمامي ... تسبقني .. لتفتح لنا الباب ... ولنحيي الشفق والأمل ... علّها تخجل منهما.. وتعوفني ... وتغادر ولو لسويعات ... مع مطلع الشمس ...
وما إن فتح الباب ... وها هي عمان ... تقف أمامنا ... فوق القمر ... تقف على استحياء ... بثوب أطول من كحل الليل ... وأمضى من رمح 'بدر' في كبد البيداء ... أجمل من جلسة فيروز على المسرح ... وأحدّ من غرور الزمرد بين الحاقد من الأحجار ... ووقفة النرجس بين الأزهار ... كانت عمّان بأبهى الوانها ... وأحلى سكناتها ... كبرياء يتألق أمامي ... في كبد العلياء ... تزين الأرض والسماء!
كانت سماء عمان ... هادئة ... مطمئنه ... راضية ... قانعة ... خجولة ... متألقه...كانت أجمل الجميلات!
تمعنت في صفحة جبينها وعبق نبطي يناديني ... وحدثت نفسي ... وحدثتها ... بل عانقتها وداعبتها حتى تبسمت .. فغازلتها حينها بلغة الأمي من فقراء الأعراب فقلت لها ... كم أنتِ 'حلوة يا عمان'.. أتمعنها وأتمعن سلالمها ... حاراتها ... شعابها وأدراجها ... أراها كهولة لمعلقة كانت في الأصل حنطية ... وكأني لم أرها منذ سنوات ... عاش جفنك وبريق عينيك يا عمان ... عاش تاجك وعاش مجدك ... وعزك وعرشك بجاه عينه التي لا تنام ... أعلم بأننا كلنا في عنك شغل فاكهون يا عمان ... تضُمينا جميعا بين جنبات فؤادك ... وقلوبنا في احشائنا في لهو عنك ... ترنو الى الجيران منك... حضنك كان أكبر من فجور عقوقنا ... وكذب 'المؤلفة قلوبهم' في حبك ... يا عمّان!
كأنها كانت واقفة على خجل ... ربما لأنها تدرك ما لا ندرك ... تدرك في أعماقها .. أننا لا نبادلها حجم الحب التي تزفه لنا كل صباح ... نحب أخواتها الأكبر منها سنا... وهي صابره ... لا زالت قانعة ... وراضية ... لأنها تحب شقيقاتها أكثر منا ... أنتِ من علمتنا كيف نضحي ... ولمن نضحي ... أنتي من علمتنا أن نحب أخوتك أكثر منك يا عمّان!
وقد مزق الفجر جبال المدلهمه ... وانسل الهم في رواسيها وعافني ... اقبلت اليك ... وقبلة مني .. انسجها من المنحوت في ملاحم الانباط ... وسورة التوبه ... بورق السوسن الُفها... لاهديها اليكِ ... يا عمان!
عمّان .. يا ملجأ العرب .. يا عتبة المسيح ومغتسل السلام ومنتهى المسرات ... يا قبلة الأحرار .. يا مكة المرابطين من المهاجرين والانصار ...... ويا حضن حناجر الاهات من الضاد ... اهديك ... قبلة العيد ... وبوحاً من أروع ما سُطّر من الضاد ... في الحب .. والغزل .. وأساطير الأولين !
سأدندن في حب عمّان ... واطالب العذر ... فأنا لست بشاعر لأوفي جمالك جماله ... وحبك حقه ... انا هنا هاوِ ... يتدرب فنون الشعر في مدرستك ... في الصف الأول من السطر الأول ... من الدوار الأول ... الى ما بعد الثامن ... سأدندن في شعر حبك ... كما يتلعثم الطفل جاهدا ... شغفا ... ليتعلم تسلق حروف امه ... لينطقها
عمّان ... سأدندن في حبك الليله ... وأتعلم كيف أُشبّك حروف الحب ... من خيوط الشفق ونسائم اخر الفجر ....من جديد .. وأقول:
'يا تاج روما بالأمس في أرض غسان ... ويا سحابة محمد وظله بين مكة والشامِ'
يا واسطة الماجدتين تنتشي أصالة ... تعانقت في جيدك دموع القدس بأنهار بغدادِ
اهديكِ حباً نبطياً يمشي اليكِ ... قوافل حُمر سُيّرت من كحل قحطانِ
أهديك السابع من أحلامي وختمة كتابه... وبقايا المتيم الخالد من حبي الأولِ..
عمّان اهديك كل حسناتي وأول دعائي .... واخر مسبحة سقطت تُسبح من قبضة أبي
يا مقلة عيني يا أخت الياسمين لا تجزعي ... نقسم ما أقسم الفخار في الثأر لدم ابو الطيبِ
انك يا عمّان ستبقين عمّان ابدا ما حيينا .. تفديكي أزكى الدماء قبل أمي وأبي.