معي مسطرة واحدة لقياس حرية التعبير وحرية الصحافة اينما تحدثت وسافرت.
المسطرة التي استعملها هي المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (الأردن نشر العهد في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/6/2006) وبموجب القانون اصبح جزءا من التشريعات الوطنية.
وبموجب المسطرة السابقة فإن اي دولة تعتدي على الصحافيين وتمنعهم من تغطية الأحداث سواء الأمر جرى في الأردن أم في سورية فإن هدفه منع وجود شهود على الجريمة التي يريد ارتكابها.
إن استهداف الصحافيين امس اولا والإعتداء عليهم كان مقدمة لإعتداء دموي على المشاركين في المسيرة, فقد حمى الصحافيون الذين تلقوا الضربة الأولى المتظاهرين الذين كانوا يعبرون عن رأيهم بشكل سلمي.
الجميع شاهد أحد رجال الشرطة يعتدي بالهراوة على صحافي اجنبي كبير يلبس السن "الشورت" والصحافي بحركة تشبه انحناء طهر المرحوم غاندي, كأنه يريد إعطاء رسالة للشرطي أنه لن يقاومه. كل ذلك جرى على مرأى ضابط آخر يجلس في السيارة من دون أن يحرك ساكنا.
عندما نشرنا امس ان الأمن اتفق مع نقابة الصحافيين على توزيع ستر على الصحافيين لتمييزهم وعدم الاعتداء عليهم, كان تحليلي الأول أن الشرطة ستستخدم العنف الدموي مع المتظاهرين.
المسارعة من رئيس الوزراء ووزير الإعلام والداخلية بزيارة الصحافيين المصابين رغم اللمسة الإنسانية فيه إلا أنه لا يعفيهم من المسؤولية عما حدث, فهذه لم تكن المرة الأولى التي يتم الإعتداء فيها على صحافيين ويتم التعبير عن الأسف لما جرى والوعد بالتحقيق لكن يتم تناسي الأمر بعد فترة.
في اليوم الأول لتسلم مدير الأمن العام منصبه ادلى بتصريح مقتضب قال فيه أنه "سيتم الضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه العبث بالأمن", وهي كليشيه معروفة في الأنظمة البوليسية, ويبدو أن بعض المستشارين لفتوا نظره في اليوم التالي فأطلق تصريحا يؤكد فيه انه سيتم "احترام حقوق الإنسان لدى تطبيق القانون".
الحقائق احيانا لا توجد داخل اعماق البركة بل غالبا على السطح. الأردن ببساطة يريد التحول نحو الديمقراطية التي تريدها الطبقة الحاكمة على طريقة تدوير النفايات ويريد ديمقراطية من دون مسؤولين ديمقراطيين يريد اقلام العبودية في معركة الحرية.