بدأت القوى الشبابية في الأردن المدعومة من قبل جبهة العمل الاسلامي تصعد من حدة المظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالاصلاح السياسي، وتحاول محاكاة نظيراتها في كل من مصر وسورية بالاعتصام في ميدان ساحة النخيل وسط العاصمة بجعله ميدان تحرير اردنياً، وتتخذ من يوم الجمعة موعداً اسبوعياً للنزول الى الشارع في تحد واضح للحكومة والقوى الامنية.
في المقابل لجأت السلطات الاردنية الى محاكاة النموذج اليمني الذي ابتدعه الرئيس علي عبد الله صالح، من حيث اطلاق مسيرات شعبية مضادة تشارك فيها القوى الشعبية المؤيدة للنظام، وترفع الشعارات المضادة، للتأكيد على انه ليس كل ابناء الشعب الاردني ضد النظام ويتبنى التغيير الذي تطالب به الحركة الاسلامية والشباب الغاضب.
قوات الامن الاردنية تعاطت بطريقة قمعية مع المظاهرات التي كانت سلمية ومرخصاً لها من قبل وزارة الداخلية، وانهالت بالضرب على المعتصمين، وفرقتهم بالقوة، وانضم اليها مشاركون في مسيرة الموالاة في الاعتداء على الاصلاحيين، مما ادى الى وقوع اصابات خطيرة، خاصة في صفوف الصحافيين الذين جاءوا لتغطية الحدث.
الاعتداء على الصحافيين من قبل قوات الامن الاردنية ظاهرة خطيرة تؤكد ان الاردن مقدم على مرحلة قمعية عنوانها تكميم الافواه، ومنع رجال السلطة الرابعة من تأدية واجبهم المهني في تغطية الاعتصامات السلمية المطالبة بالاصلاح.
حرب المسيرات في الاردن اذا ما اندلعت ستؤدي الى احداث شرخ كبير في الشارع الاردني بين الموالاة والمعارضة، وتطور هذه الحرب الى صدامات مثلما شاهدنا بالامس قد يؤدي الى هز حالة الاستقرار التي تعتبر احد أبرز اعمدة الامن الاجتماعي في الاردن، وبالتالي الانعكاس سلبا على شكل نتائج خطيرة تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الاردني المتضعضع اساسا.
السلطات الاردنية ترتكب خطأ استراتيجيا فادحا اذا ما لجأت الى اساليب البلطجة المتبعة في دولة الجار السوري، او نظيرتها في القاهرة، لان اعمال البلطجة اذا ما جرى توظيفها لقمع مسيرات الاصلاح تعطي نتائج خطيرة، وتصب المزيد من الزيت على نيران الغضب الشعبي. وربما يفيد التذكير في هذا المضمار 'بواقعة الجمل' في ميدان التحرير في القاهرة، وجرائم عصابات الشبيحة في سورية.
مطالبة القوى الشبابية بالاصلاح السياسي هي مطالب مشروعة، خاصة تلك المتعلقة منها باصلاح النظام الانتخابي، ووقف عمليات التزوير، واطلاق الحريات وتكريس اسس ملكية دستورية حقيقية يلعب فيها البرلمان المنتخب دورا تشريعيا اساسيا، يحميه القضاء العادل المستقل في اطار فصل كامل وحقيقي للسلطات.
ندرك جيدا ان هناك ودا مفقودا بين المؤسسة الرسمية الاردنية وجبهة العمل الاسلامي رأس حربة التيار الاسلامي في الاردن، لان هذه المؤسسة تعتبر التيار الاسلامي خطرا رئيسيا يهددها، ولكن طريقة معالجة هذا الخطر الذي لا نتفق مع محاولات النفخ فيه، وتضخيم حجمه بشكل مبالغ فيه، قد تدفع بالبلاد الى صدامات دموية على غرار ما يحدث في العديد من الدول العربية حاليا.
عدم تجاوب السلطات الاردنية مع المطالب الشعبية في الاصلاح الديمقراطي هو المفجر الاساسي للاحتجاجات وتصاعد وتيرتها، والاهم من ذلك والاخطر ان غياب هذا التجاوب ادى الى رفع سقف المطالب تدريجيا في الشارع.
من الواضح ان الشعب الاردني وقواه السياسية يطالب بتغيير حكومة معروف البخيت التي هجرها العديد من وزرائها، وفشلت كل عمليات الترقيع في ان تحسن صورتها وتجعلها مقبولة للشعب والتيارات السياسية، بحيث بات استمرارها موضع توتير لا موضع تهدئة، ومن الغريب وغير المفهوم في الوقت نفسه هو الاصرار على بقائها في السلطة حتى هذه اللحظة، اللهم الا اذا كانت السلطات الاردنية العليا تتعمد استفزاز الشعب الاردني.