وصف الكاتب ابراهيم الغرايبة فتوى الدكتور محمد أبوفارس المتعلقة بالمشاركين في الاعتصامات ومن يتصدى لهم بانها ليست في السياق الصحيح، ولا تصلح أبدا للتعامل مع الحراك السياسي الجاري.
وقال في مقال كتبه لموقع (عمان بوست) « برغم التأني في العبارة في فتوى الدكتور محمد أبوفارس المتعلقة بحال المشاركين في الاعتصامات ومن يتصدى لهم فإنها ليست في السياق الصحيح، ولا حاجة لها أبدا، لأن المسألة ابتداء خلاف سياسي بين فئة من المواطنين والحكومة، وليست اتهاما في الدين والنوايا لأحد، ويمكن بالدقة نفسها وبالأدلة الواضحة البينة أن يقدم عالم آخر شرعية موقف الحكومة وحرمة الخروج على الحاكم، ووجوب طاعة أولي الأمر، ولكن المسألة ببساطة ليست خلافا بين مؤمنين وغير مؤمنين، وليست بين صالحين ومفسدين، ولا بين الخير والشر، وليست بين فسطاطين للإيمان والكفر، ولا تصلح لفهمها وتحريرها أدوات الفتوى الدينية المعزولة، فهي عملية سياسية واجتماعية يتداخل فيها الخطأ والصواب، والدين والسياسة والاجتماع، والمواطنة، والحريات والقوانين والتشريعات، والاتفاق والاختلاف، وهي في جميع الأحوال ليست اختلافا جذريا واضحا بين مجموعتين أوفئتين أومؤسستين واضحتين ومحددتين، ولكنها في سياق العمل العام بما يتضمنه من معارضة وضغط وتأثير، وحوار وجدل واتفاق واختلاف، ومشاركة ومعارضة، وانتقال وتبادل للمواقف والتأييد والاختلاف حسب الحراك والمواقف والمصالح والتقديرات المختلفة لدرجة تشبه الطقس واحواله وتقلباته.
المسألة ببساطة أن هناك تيارات سياسية واجتماعية تطالب بما تعتقد أنه إصلاح سياسي واقتصادي وتعديلات محددة أوعامة غائمة على الأوضاع السياسية والتشريعات الناظمة لها، وهي في ذلك تنطلق مما تتيحه العملية السياسية نفسها، وما يسمح به الدستور والتشريعات النافذة، وفي المقابل هناك حكومة ونظام سياسي يستند إلى الدستور والتشريعات نفسها التي تلجأ إليها المعارضة، ويتشاركان (الحكومة والمعارضة) في العمل على أساس هذه المنظومة من القواعد والتقاليد، وعلى هذا الأساس تشارك المعارضة في الانتخابات النيابية والأحزاب السياسية، وتتجمع في الساحات، وتنشر في وسائل الإعلام، وكلاهما (الحكومة والمعارضة) يجتهدان ويدافعان عن موقفهما من منطلق واحد مشترك، ويلتزمان (يفترض) بالقدر نفسه بالإسلام والدستور والقوانين والقواعد السياسية والاجتماعية للعمل العام، وإن أخطأ أحد الطرفين أوأصاب فالمرجعية في ذلك هي المؤسسات والتشريعات المتبعة والنافذة.
فتوى الدكتور أبوفارس برغم هدوئها لا تصلح أبدا للتعامل مع الحراك السياسي الجاري اليوم في البلاد، وتعطي انطباعا خاطئا ومخيفا بأن فئة من المواطنين ترى الخلاف بين إيمان وكفر، أوبين مسلمين وغير مسلمين، وتوحي بالتحريض على العنف وتبرره، وتبشر المشاركين فيه (إن كانت نواياهم حسنة) بالثواب والشهادة، وكان الأولى ألا تكون الإجابة كذلك مهما كان السؤال، وأن تحرر تحريرا سياسيا، يخلونهائيا من الإشارة الى العنف والقتل والشهادة، ولا يقدم انحيازا دينيا لفئة مهما كان الرأي بها، ولا يقدم فتوى في موقف أحدهما، ولكنه يقدم فهما سياسيا يستبعد نهائيا العنف والمواجهة، ويفترض أساسا أن العمل يقوم على المشاركة ومحاولة التأثير على الحكومة، والتي يفترض ان يكون دورها في المقابل الحفاظ على الأمن والنظام وحماية المواطنين وممتلكاتهم من غير عنف أيضا.
لقد استدرج أبوفارس مرة أخرى إلى صياغات دينية اختلافية في غير موضعها، وكان الأولى النأي عن التنظير للمسائل والمواقف انطلاقا من هذه المداخل التي لم يعد لها اليوم مكان في التفاعل والحراك السياسي القائم، والتي تفرق أكثر مما تجمع، وتحرض أكثر مما تهدّئ، وتستفز الناس أكثر مما تدفع بهم.
لسنا في معركة بدر ولا حطين، والناس ليسوا مقسومين إسلاميين وغير إسلاميين ولا مسلمين وغير مسلمين، ولكننا نحاول البحث عن حالة سياسية واقتصادية واجتماعية هي أفضل مما نحن عليه، وهوإنجاز إن تحقق فهوملتبس أيضا بتعدد التقدير والفهم.
وأخيرا لسنا في ثورة شعبية، ولكننا في طريق ثالث مشاهده معقدة ومتداخلة وليست محسومة، يجمع بينها العمل على دفع الحكومة نحوموقف نعتقد أنه أفضل في مواجهة الفساد ومراجعة المرحلة الماضية وتحقيق الإصلاح، والحكومة في ردها وحالها لا تقول إنها لا تريد غير ذلك، وتستطيع الردّ بأنها والمعتصمون في موقف واحد مشترك.
والواقع أن الحالة الأردنية لا يصلح لها حراك جماهيري شامل، ولكنها سلسلة من الأعمال الإصلاحية المتخصصة الدؤوبة، تقوم على الدراسات والتأثير السياسي والإعلامي والوعي الإصلاحي، ومجموعات من التحركات المطلبية المحددة والمتصلة بمؤسسة عامة اوخاصة، ولم تعد الحركات السياسية التقليدية تصلح إطارا لتنظيمها وتحريكها، ولكنها تحتاج إلى شبكة شاملة من الأفراد والمجموعات المتشكلة حول حالة أوقضية معينة، تبدأ بالعدالة والحريات ثم تنطلق إلى مجموعة كبيرة وتفصيلية من القضايا والأفكار، كالضرائب والأجور والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم والعطاءات والموارد العامة والمياه والطاقة والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص والوظائف والتوظيف في القطاعين العام والخاص ودور المجتمعات والإدارات المحلية ومسؤوليتها في المشاركة العامة والتنمية،..
وأخيرا الثقافة المنظمة والمنشئة للتقدم والإصلاح.
في ذلك كله فإنها ليست أعمالا بطولية ولا انتفاضات مجيدة ولا مطاردات بوليسية، ولا تحتاج إلى شهداء ولا جرحى. نستطيع أن ننشئ حالة تؤدي إلى إصلاحات مهمة وكبرى، فقد حلت فكرة الإصلاح والوعي بها، ولا فضل في ذلك لحركات واعتصامات، وما يحدث من حراك ليس إلا تعبيرا عن فكرة جاء وقتها، وليس العكس، ولذلك فلن تجليها ولا تطورها الاعتصامات والتجمعات، إنها (الجماعات والمجموعات الواقعية والافتراضية) القائمة لا تختلف عن محلات الموبايلات، فليست هي التي أنشأت ثورة الاتصالات، ولكن ثورة الاتصالات أنشأتها، هذا الإدراك للظاهرة ومسارها تحتاجه الحركات والتجمعات، ويحتاجه أيضا شباب وشيوخ على الأقل لأجل قدر من التواضع
الغرايبة: فتوى ابو فارس تحرض على العنف وتبرره
أخبار البلد -