أسدل مجلس النواب الستار على قانون العفو العام الذي لا يتكرر كثيرا في تاريخ البلدان، بعد تعديلات طفيفة على التصورات التي قدمتها الحكومة.
وتثير قصة العفو العام جدلا؛ فهل يأتي لخلق حالة رضا شعبية عند الناس، أم لخلق حالة مصالحة مجتمعية بحق أشخاص يعتقد أنه من الضروري إدماجهم، أو أن استمرار وجودهم خلف القضبان يؤشر لأزمة لا بد من تسويتها، أو أنه ليس أكثر من تخفيف للعبء الاقتصادي من إعالة هؤلاء السجناء، وفي الوقت ذاته إلغاء للمخالفات والغرامات عن المواطنين التي تشكل إرهاقا لهم؟
بمراجعتي لما حدث في قانون العفو وما حدث في البرلمان، فإنني أستطيع تسجيل العديد من الملاحظات المقلقة، أولها أن صدور قانون العفو العام بشكل مؤقت وعرضه على البرلمان لاحقا أمر غير دستوري. والسؤال: ماذا لو قرر مجلس النواب إلغاء جرائم شملتها الحكومة بالعفو، هل سيعاد السجناء مثلا إلى سجونهم؟ بالطبع لا، فما حدث يشكل مركزا قانونيا جديدا لهؤلاء السجناء لا يمكن العودة عنه.
الأمر الآخر المهم هو شمول سجناء التنظيمات المسلحة والجماعة السلفية بالعفو، وهو ما لم يحدث. وإذا كنا نتحدث عن مرحلة جديدة من تاريخ الأردن، فإن المنطق يفرض أن يخرج هؤلاء من السجون، خاصة في ظل المطالبات بإلغاء محكمة أمن الدولة وفي ظل المراجعات الفكرية التي يقوم بها قادة هذه التنظيمات ونزوع اتجاهات قوية داخلها للتماهي مع ثورات الربيع العربي والابتعاد عن الفكر التكفيري.
لم أفهم لماذا لم تفعل الحكومة ذلك، ولم أتقبل أن تصمت غالبية النواب عن المطالبة بالحرية لهؤلاء لتعبيد طريق جديدة للمصالحة. وما ينطبق على هؤلاء السجناء من باب أولى أن يكون الجندي أحمد الدقامسة في مقدمتهم، فمنذ العام 1997 وهو يقبع في السجن، ومنذ ذلك التاريخ وإسرائيل مستمرة بارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين في الداخل والخارج، ونحن أسرى أن لا نغضبها في حين أن عملية السلام تحتضر وتموت.
باستعراض الكشف الذي أرسلته الحكومة للبرلمان عن المشمولين بالعفو من بين المسجونين، يتضح أن أهم المشمولين بالعفو هم مرتكبو جرائم المخدرات. فمن بين 1382 سجينا أفرج عن 878، في حين أن المحكومين بالجرائم الواقعة على أمن الدولة وعددهم 269 سجينا لم يفرج عن أي منهم، وكذلك فإن هناك ثلاثة سجناء بجرم التجسس لم يشملهم العفو!
ومن حقنا أن نتساءل لماذا المسجونون بقضايا المخدرات لهم حصة الأسد؟ هل يملكون قوة ضغط على الحكومة حتى يفرج عن الأكثرية منهم؟! وفي المقابل، هل يعقل أننا، بعد أن وقعنا معاهدة السلام منذ العام 1994، ما نزال نسجن ثلاثة أشخاص بالتجسس! العبرة دائما بالعدالة والسجون للإصلاح والتأهيل والتوبة، ولا يجوز حقوقيا أن لا نرحم المخطئين وأن تظل تلاحقهم العقوبة ووصمة العار.
وتكشف إحصائية قدمتها الحكومة للبرلمان عن أعداد القضايا والأشخاص المتوقع شمولهم بالعفو الملكي العام عن فساد في تحصيل مخالفات السير، فالأرقام تقول 1957715 مخالفة غير مسددة أي ما يقارب المليونين قيمتها الإجمالية تزيد على 36 مليون دينار ويستفيد منها ما يقارب 356 ألف شخص.
الشيء المؤكد أن من لديه واسطة يستطيع أن يجدد الترخيص من دون الدفع ويؤجل الأمر بانتظار العفو العام حتى تسقط المطالبات.
انتهى العفو العام ليخلف وراءه حكايات تستحق أن تدرس، والرهان الآن على العفو الخاص الذي لا يَجُب التهم ولكن يخرج الناس من وراء القضبان.
نضال منصور يكتب : العفو العام
أخبار البلد -