الأول هو العدو الإسرائيلي الذي يقف عاجزاً فاشلاً في إحباط حركة شعب بأكمله باسل شجاع يرفض الاحتلال ويعمل على كنسه عن أرض وطنه فلسطين وهزيمته.
الاحتلال وأجهزته وقواته معتمدين على تجربتهم في الإنتفاضة الشعبية غير المسلحة الأولى عام 1987 وهزيمتهم أمامها بعد أن جمعت شعباً بأكمله، من كافة شرائحه وطبقاته ومكوناته، إستفاد وأجهزته من حصيلة هذه التجربة ومرارتها وعزلتهم بسببها أمام المجتمع الدولي المتحضر، فيعملون إستخبارياً على إحباط تكرارها حالياً.
وهم يعملون من خلال تسريب السلاح بواسطة تجار سلاح إسرائيليين وبيعه للفلسطينيين بشكل مدروس ومتقن ليسهل مراقبته ومتابعته، ومن ثم الإنقضاض على من يستعمله، والهدف من ذلك هو عسكرة الإنتفاضة وتحويلها إلى ظاهرة مسلحة محدودة الكلفة، محدودة المشاركة، ومقتصرة على عناصر قادرة على شراء السلاح، وقادرة على إستعماله وهي عناصر محدودة العدد، وفعلها يؤدي إلى تعطيل شرائح الشعب، وقدراته الخلاقة، وأدواته المدنية المتنوعة، لمواجهة الإحتلال بكثافة بشرية يصعب لجمها.
أما العامل الثاني المحبط للإنتفاضة، والذي يعمل وفق توجيهات أجهزة الإحتلال الأمنية الإستخبارية على وأدها وتشليحها أدوات تفوقها على الإحتلال، فهم شريحة العملاء والجواسيس، الذين يمكنهم إطلاق النار أو افتعال أحداث مسلحة، تقدم الذريعة والغطاء لقوات الإحتلال كي ترد بقوة النيران المتفوقة وتجعل من الصدام المسلح هو عنوان المواجهة، إذ يؤدي ذلك إلى دفع جماهير الشعب المنتقضة للتراجع أو الإختباء في مناطق آمنة لتحاشي النيران والقصف.
الذين يطلقون النيران من هؤلاء العملاء والجواسيس هم أدوات الإحتلال المنظمين الذين ينفذون تعليمات أجهزة الإحتلال وتوجيهاته، بهدف واضح وهو إستدراج العمل الكفاحي الشعبي المنظم حزبياً وتنظيمياً ودفعه بعيداً عن الإعتماد على كثافة الجمهور ومشاركاته بالفعاليات الإحتجاجية ذات الطابع المدني غير المسلح، ويتم إستدراجه نحو عمل مسلح، وإشاعة تعظيمه لجعل العمل الشعبي وكأنه لا يستحق الإحترام بإعتباره يفتقد للبطولة.
وثمة عامل إضافي أخر قد يكون مؤذياً وهو يتصرف بإندفاع وتهور وإخلاص وهم فصائل جهادية، تنتمي للتطرف الإسلامي كما القاعدة وداعش، لا تؤمن بالعمل الشعبي والكفاح المدني، وينظرون للإنتفاضة الشعبية وأهدافها وقياداتها السياسية باحتقار.
وحصيلة ذلك على القيادات الفلسطينية المجربة والتي دفعت أثمان تضحياتها ورفاقها من فتح وحماس والجهاد والشعبية والديمقراطية وغيرهم أن يدرسوا ويستخلصوا العبر والنتائج من أفعالهم الكفاحية، طوال عشرات السنين من مواجهاتهم مع الإحتلال، نزولاً وتواضعاً لإحترام شعبهم وتضحياته، وحتى يكون لفعلهم وتضحياتهم نتائج عملية ملموسة، تجعل من الإحتلال مكلفاً سياسياً ومعنوياً إسرائيلياً ودولياً، واستثمار تفوق العدو العسكري كي يتحول إلى سلاح ضده بدلاً من أن يكون سلاحاً لصالحه.
تفوق العدو العسكري والتكنولوجي والإستخباري لا يهزمه إلا قدرات شعب بأكمله رافض للإحتلال وقادر على مواجهته وتقديم التضحيات أمامه، وهذا لا يكون ولا يتم إلا بالانتفاضة الجماهيرية الشعبية غير المسلحة التي تزج كل الشعب في المعركة الوطنية ضد الإحتلال، لا أن تكون محدودة مقتصرة على من يستطيع الحصول على السلاح، وعلى من يستطيع استعماله وهم أفراد أو عشرات وحتى ولو كانوا مئات، يتقلص فعلهم وتأثيرهم مهما امتلكوا من البطولة وتكرار الفعل، يتقلص فعلهم أمام مشاركة شعب بأكمله في أتون المواجهة ضد الإحتلال وأجهزته وأدواته، وتزداد قوته وتنظيمه حينما تقوده وتتفانى من أجله قياداته المجربة من حماس وفتح والجهاد والشعبية والديمقراطية والشيوعيين والقوميين، وحينها سيكون لعمله وانتفاضته نتيجة، ونتيجة موثوقة بالتقدم واختزال عوامل الزمن وصولاً نحو الانتصار وهزيمة العدو.
لننظر ونتذكر انتفاضة الحرم القدسي الشريف يوم 14 تموز 2017 وحتى 28 منه حينما استطاع المقدسيون هزيمة حكومة نتنياهو وإرغامها على فكفكة البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية بفعل تماسكهم ووحدة إرادتهم واعتصامهم من كافة الشرائح الشعبية البسيطة من المسلمين والمسيحيين، ومن التجار والطلبة وعامة الناس، ومن المثقفين والعامة، ومن الرجال والنساء، وهي تجربة يتباهى بها كل فلسطيني ويحترم نتائجها كل عربي وكل مسلم وكل مسيحي، وكل أصدقاء الشعب الفلسطيني، من كافة التيارات السياسية الوطنية والقومية واليسارية والليبرالية والدينية.
هذا هو المطلوب فعل شعبي كثيف تقوده قيادة وطنية موحدة من مختلف الفصائل والفعاليات، وكل من له صلة برفض الاحتلال وأفعاله وأن لا تكون مقتصرة على أبناء مناطق 67، بل تشمل أبناء مناطق 48 الذين يُحبذون الفعل الشعبي ويشاركون به ولا يستسيغون العمل المسلح المؤذي نظراً لمعرفتهم أكثر بالمخططات الإسرائيلية وأهدافها ومراميها، ولا يخشون تبعات الانتفاضة الشعبية ودفع أثمانها بوعي ورضى وإنتماء عالي المستوى، فهل يدرك قادة الشعب الفلسطيني أهمية الأدوات الكفاحية التي لا تقل أهمية عن دوافع العمل الكفاحي، فقد فجر ترامب الدوافع الكامنة لدى الشعب الفلسطيني في رفض الإحتلال والنضال ضده، فحرية فلسطين وفي طليعتها القدس عاصمتها وقلبها وروحها، تستحق هذا الفعل الذي فجره ترامب والذي إنطبق عليه " رب ضارة نافعة " ولكن يبقى استعمال الأدوات الكفاحية مهمة ضرورية، وفق البرنامج السياسي المشترك لكل الذين يعملون من أجل حرية فلسطين واستقلالها بعد زوال الاحتلال واجتثاث أثاره عن الوطن، كل الوطن.
h.faraneh@yahoo.com