الدائرة.......
على مدى الستين عاما تقريبا عشتها في الاردن الغالي الوطن الحبيب وطني ووطن ابنائي واحفادي تعلمت خلال الدزينات الخمس من السنين تلك ان هناك حقيقتين ثابتتين لم يشوبهما شائب ابدا أولهما إجماع المواطنين جميعا وفي كل المدن والقرى والبوادي والمخيمات على حب جلالة الملك والإخلاص للعائلة الهاشمية .
وثانيهما هو تحكم الاجهزة الامنية وخاصة دائرة المخابرات العامّة ومؤسسة الديوان الملكي العامر في كل الامور المتعلقة بتسيير شؤون البلاد وكأن الحكومة والوزارات وبقية الدوائر هي ادوات تنفيذ ميدانية ليس لها علاقة بالامور الاستراتيجية وخاصة تعيينات الفئات العليا من الموظفين فتلك الأجهزة تأمر والحكومة ودوائرها تنفذ دون ابداء لرأي او تقديم لنصيحة فلذلك نجد ان شخصا شديد المعاداة مثلا جهارا يشتم ويمتعض او عليه قضية حقوقية ويصبح بين ليلة وضحاها وزيرا وقد يستلم حقيبة سيادية هامّة من الناحية النظرية .
وهذا يولّد حسدا وحقدا بين الناس على بعضهم قد تؤدي الى خلافات بل وقد تؤدي الى تغذية التفرقة بين الشعب الواحد وهو ما يبغضه جلالة الملك ولكن رجال الاجهزة الامنية وموظفي الديوان العامر هم اشخاص ايضا ولهم احتكاكاتهم بالناس والاقارب والاصدقاء ولهم اجتهاداتهم الخاصة التي قد لا تكون صائبة ولكنهم يبررونها انها من باب الانتماء والاخلاص للنظام ومصلحة البلد .
ونظرا لان الحسد في بلدنا كثير ودائم فإن لسان حال الوزراء والمسؤولين يقول ان القافلة تسير والشعب يتظاهر وهكذا يبدوا انه لا يوجد نقاط إلتقاء بين الفريقين وهما الحكومة والشعب حتى تأتي الساعة التي لا يحتمل احد الطرفين الوضع فيأتي طرف ثالث محلّي او اقليمي اودولي لا سمح الله ليُشعل شرارة الشر مستغلا شعورا دفينا مما يوقف القافلة ويستفز الناس وهنا تكون الطامّة الكبرى ويُستصعب التراجع بعدها ونخشى ان يحلّ بنا ما حلّ بغيرنا من كوارث لا سمح الله.
فهل الحل الآمن والعيش الكريم هو ان يتستّر المواطن تحت عباءة الدائرة وهذا لايعني الانتقاص من دور الدائرة في حماية البلاد والعباد من أي اخطار لا سمح الله ويحمي مقدرات الوطن ومكتسباته .
ولكن الزمن صعب ولقمة العيش غاليه ويجب ان يجد الفرد دخلا وقوة تساعده في العيش الكريم على سطح هذه الارض في حدود الوطن اي ان يكون له ظهر يسانده.
ومعظم منتسبي هذه الدائرة غير معروفين حفاظا على سرية المعلومات والنشاطات وكذلك رجال تلك الدائرة من خيرة رجال الوطن وممن يغارون على مصلحة البلد والنظام فيه .
وبات الرئيس وكأنه مدير والوزراء موظفين والامين العام مراقب على عملهم وتأدية واجباتهم وأصبح المراسل في الوزارة له سيادة في عمله اكثر من السيادة التي يتحلّى بها فعليا الوزير او حتّى الرئيس نفسه .
أمّا إذا تسائل مراقب ما وكيف تمّت هذه المنجزات والمكاسب نقول ان الكثير من هذه تمت بناء على اوامر جلالة الملك وتوجيهاته او انها كان مخطط لها سابقا اوكانت بناء على اتفاقات ومعاهدات دولية او ما شابه .
ولكن ومع هذه القوّة لدائرة المخابرات فكيف توافق هذه الدائرةعلى تعيين اشخاص معروفين بتاريخ سياسي معارض للنظام أو بتاريخ مهني غير مُرضي أو بالتورط في قضايا فساد حتى لو كان بالشبهة وتلك الدائرة هي الاقدر على تمييز الغث من السمين من بين المرشحين للحقائب وللأسف منهم من لا يستطيع حمل الحقيبة مهما خفّت وليس تسلُّمها .
ولذلك وحسب مطالبات الكثير من رجالات الاردن بتشكيل حكومة انقاذ وطني وحل البرلمان وإبعاد جميع الفاسدين ومحاسبتهم مهما علا شأنهم وتأكيد الثقة لدى المواطنين بمصداقية الحكومة بمحاربة الفساد وحلّْ مشاكل الناس ومطالبهم وإحتياجاتهم وأهمها حريّة التعبير والصحافة والشفافية والمساواة وتسهيل سبل العيش الكريم والصحّة المستدامة والتعليم الجامعي لكافة شرائح المجتمع .
وعلى الدولة الاردنية ان تسارع لإتخاذ الإجراءات اللازمة لتقريب وتعزيز الثقة بين الشعب والحكومة وهذا لا يتأتى بالأسلوب الذي تتبعه الحكومة بالحديث عن النمو والتنمية ومؤهلات الوزراء بينما من جهة اخرى يتزايد عدد الفاسدين وقضايا الفساد التي ترفع من المديونية والعجز في الموازنة وتقلل من القيمة الفعلية للدينار في يد المواطن .
وعند تحقيق الإصلاح لا يكون هناك طمع لأي مواطن ان يصبح وزيرا او مديرا عاما ما دام الحال مستور معه ومع اطفاله ويكون عندها لا تغوُّل من اي من السلطات او الدوائر على غيرها وتتحقق السيادة لأهلها حسب منطوق الدستور فعلا لا قولا .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ صدق الله العظيم".
{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }صدق الله العظيم
{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}صدق الله العظيم
المهندس احمد محمود سعيد
دبي – 8/7/2011