ها قد رحلت وقد بدأ الهم والحزن لدينا... كأننا لم نعرف تجربة الحزن من قبل...
كأننا لم نعرف الدموع أبداً .. عندما رحلت ...عندها فقط فهمنا معنى الفراق..
في ذلك اليوم.. كانت السماء تغتسل بدموع ساخنة ...والرياح من غضبها أضحت تصفع أوراق القرنفل وميسم الكحل الأسود تخط مآقي الأحباء...والليل يطول من بعدك يا أبي..
لقد طوى اللحد بين كفيه جسدك النحيل ... فأسكَت شدو البلابل وشذى الرياحين ..
اسكت ربيعاً لم يعد ربيعاً ولن يعود ربيعاً كربيعك أيها الغالي..
ها هي أمي تبكي لفراق حبيبها..وأختي تلك تشكو همها..وأخي ينتحب ...
بكوا لرحيل أبي ... عظيم العظماء....بكوْا….بكوْا أياما.. وليالي...
مع الجيران والأهل.... بكوْا كثيرا..
ولما جاء دوري ..... كانوا بآذان صماء .... حزنوا لصدمتي
ولكنهم لم يُخرجوا بكائي..... لم يخرجوه.. لا قد خرج ..لا بل تفجر كالبركان..
أرى الرجال يبكون عليك... يتذكرونك ثم يبكون..
لقد أسدلت عيوننا .. وجعلت قناديل الفجر تجف.. حتى أطفئت الأنوار حيّنا.. برحيلك نحو السماء المتلبدة أبلغك سلامي.. وسلام الأحباء.. سنفتقد بسمتك اليافعة ...كلمتك لنا " أنت تمام " علمتنا الحب والعطاء ..
بسمتك ستتجلى في وجه القمر..وعمق الصور ..لن ننساك يا أبي..
زهرة ناضرة عصفت عليها ريح فذبلت.. فسقطت والعهد بها الخضر ...
سراج مضيء هبت عليه نسمة فانطفئ ... والزيت بعد في المصباح.. غربت شمسك ولا تزال في النهار..
فكانت حياتك كالنجم اللامع الذي أضاء برهة وسرعان ما اختفى وميضَهُ في قلب هذا الزمان .. فبكتك عيونٌ كثيرة بقلوب حزينة...
فلولا إيماننا بالحياة الثانية لكان فقدانك علينا فاجعة لا يقابلها تعويض ...
أطفأكَ القدر يا شمعتنا .. لكن نورك فينا دائم ..
فالأمس رست سفينة رحيلك على شاطئ الخلود .. وكان الموت ربان سفينتك..
والجنة مقصده ومرساه ...
فكما رجعت الحمامة إلى فلك نوح .. هكذا رجعت روحك إلى ربها سبحانه وتعالى راضية مرضية..
عاش بتواضع العظماء .. ورحل ملكاً متوجاً على القلوب وتركت فراغاً لم ولن يملؤه غيرك
واخيراً أقول : لله ما اخذ ولله ما أعطى
إنا لله وإنا إليه راجعون
د.خالد جبر الزبيدي
khaledjz@hotmail.com