مما يؤسفنا ويؤرق مضجعنا كأردنيين هذه الحالة التي تدير بها منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) شؤون السلطة الوطنية الفلسطينية، فقبل حوالي ثـــلاثة وعشرين عاماً أعلن الأردن قبوله لقرار فك الارتباط بين الضفتين بناءً علـــى رغبة الأشقاء الفلسطينيين الذين أعلنوا وقتها قيام دولة فلسطين على ما يعرف بحدود (67) أو الصفة الغربية ، وأن السلطة الوطنية الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني .
وقد كان هذا الإعلان بمثابة نصر حقيقي - آنذاك- للقضية الفلسطينية حيث أصبح العالم يستمع للفلسطينيين ككيان مستقل لا كجزء محتل من الأردن، كما أنه ألغــــى فكرة الوطن البديل في الأردن، وأعطى قوة قانونية للفلسطينيين في حقهم بالعودة والتعويض كصفة اللاجئين في الأردن لا كصفة النازحين من أرض محتلة داخل الأردن .
وبناءً على ما سبق شاركت السلطة الوطنية الفلسطينية كمفاوض باسم الشعب الفلسطيني ضمن الوفد الأردني في محادثات مؤتمر مدريد للسلام ، وبعدها أصبحت السلطة الوطنية تعقد المحادثات والمفاوضات والجلسات المعلنة والغير المعلنة مع الجانب الإسرائيلي بمشاركة عربية وأمريكية أو من دونها أحياناً.
لكن وللأسف بدلاً من أن تأتي هذه المفاوضات أُكُلَها وتعود بالخير على الشعب الفلسطيني وتضع المصالح الوطنية أولى اهتماماتها ، وضعت فتح مصالحها الشخصية فاحتكرت السلطة مدة الثلاث وعشرين عاماً وباعت حقوق الشعب الفلسطيني وسلمت رموز المقاومة لليهود، بل وعقدت ( فتح) اتصالات سرية مع الكيان الصهيوني بما يضمن بقاءها على رأس السلطة، وقدمت التنازلات الفظيعة في مفاوضات سرية مع الإسرائيليين كشفت مؤخراً ؛ حيث نُسِفَت الجهود العربية طيلة سنوات الحرب والسلم والتي ناضل العرب فيها من أجل إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
فكان من سلة التنازلات : التنازل عن حق العودة والتعويض والتخلي عن القدس كعاصمة لفلسطين مقابل الإعلان عن الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وهو ما يدل على سعي منظمة التحرير إلى الإقرار ضمناً بالأردن كوطن بديل للشعب الفلسطيني، وهو ما يعلم به المتآمرون على قضية الأردن المركزية، من الداخل والخارج وليس الأردنيون والفلسطينيون الشرفاء .
وتتواصل مسلسلات ( فتح ) الخفية في عقد مصالحة فلسطينية دون علم الأردن بها على الرغم من السعي الأردني المتواصل للمصالحة على أرضه لتوحيد الصف الفلسطيني ، فلا نعلم كيف ... ولماذا تمت المصالحة ؟ في وقت ومكان ولسبب غير معروف بالنسبة لنا .
أقول في نهاية مقالي آن الأوان لوضع النقاط على الحروف؛ فمنظمة التحرير الفلسطينية فتح بدأت تسلك مسلكاً مغايراً للمسلك الأردني ظناً منهم أن الأردن والأردنيين طوع اليد وكالعجين يتشكلون كما شاءت (فتح)، ولذا كان الواجب على الأردن ممثلاً بوزارة الداخلية أن يسحب الجنسيات والأرقام والوطنية وجوازات السفر من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) وعلى رأسهم محمود عباس ، بل وعرقلة عملهم اللوجستي في الأردن والسعي لفرض الشريك الأردني في عملية السلام فرضاً كركن أساسي في التفاوض، والتوقف عن سحب جنسيات الأردنيين من أصول فلسطينية في الأردن إلى حين إعلان الدولة الفلسطينية المنشودة التي تضمن البقاء والاستقرار ، وتشكيل جبهة شعبية أردنية فلسطينية ضد التصرفات الفتحاوية وتعبئة الرأي العام بذلك ؛ والهدف من ذلك تشكيل أوراق ضغط على السلطة الوطنية لإقناعها بأنها ليست وحدها في قضايا الحل النهائي .