كان الأردنيون ولأمد طويل يقرأون أسماء الفاسدين وجرائمهم ، ويطلعون على شبهاتهم بكل أريحية ، من خلال أسئلة كانت توجه للحكومة بواسطة ممثليهم في البرلمان .
ظل الأمر كذلك إلى أن خرجت علينا إحدى الحكومات ببدعة تشويه السمعات واغتيال الشخصيات ، وهي في حقيقتها ظاهرة راجت في الأردن قبل الأخذ على أيدي كثير من ممتهني الإبتزاز ومتعاطي الإبتذال واغتيال الشخصيات ، بعد أن طال ذلك كثيرا من الأشخاص والمؤسسات .
كان بإمكان الحكومة - سابقا - تسمية أشباه الفاسدين عيانا وبالمقاطع الأربعة ، ووظائفهم ومقدار المبالغ التي اتهموا بها ، دون أن يقول لها أحد إن ذلك تعد على الحقوق ، وظل الأردنيون ينعمون بهذه الشفافية إلى أن فكر أحدهم بطريقة جهنمية أودت بهذا الإنجاز الذي لا يمكن أن يكون إلا ردة وإلى الخلف در . .
فبينما كانت الأنظار تتجه ذات برلمان إلى ما يمكن أن يظهره هذا المنجز ، وجدت الحكومة - حينها - طريقة تفرغ بموجبها أسئلة النواب من محتواها ، فابتكرت قصة اغتيال الشخصيات والأسماء ، لتصبح كل الأجوبة التي يتلقاها النواب عن أسئلتهم بلا طعم ولا لون ولا رائحة .
فقد خرجت الحكومة بتفسير دستوري ( قبل إنشاء المحكمة الدستورية ) يقول بأنه لا يجوز تضمين أسئلة النواب ولا الإجابات عليها أية أسماء أو وظائف لأشخاص ، ومنذ ذلك اليوم ، ونواب الشعب بلا رقابة حقيقية .
ما دفعني لكتابة ما كتبته في هذه العجالة هو الندوة التي أقامها أحد المراكز الثقافية الأسبوع الماضي واستضاف فيها مسؤولين في ديوان التشريع ، وهي الجهة التي يخرج من مكاتبها مشاريع القوانين أو تعديلاتها ، حيث انصب الحديث عن تعديل قانون الجرائم الألكترونية الذي كان لنا معه وقفة مؤخرا ولم نجد بأسا من العودة إليه باختصار ، خاصة وأن نقابة المحامين شرعت في إقامة ندوات هذا الأسبوع بشأنه .
فإذا كان النواب ممنوعين من الحصول على أسماء المتهمين بشبهات فساد ، فماذا ننتظر من تعديل قانون الجرائم الألكترونية القادم الذي بات الصحفيون بموجبه صما بكما عميا فهم لا ينشرون ..
لا يستطيع ديوان التشريع والرأي الذي أحترم مديره الدكتور العجارمة وأقدر جهوده ، إقناعنا بأي تعديل على القانون ، لأن القانون النافذ - أصلا - منذ سنوات ، متشابك مع قوانين أخرى مثل العقوبات وغيرها ، حتى بات موضوع النشر ، أي نشر ، خطا أحمر سواء عبر الواتس أب أو الفيس أو تويتر أو الإيميل أو أي تطبيق آخر بما فيه التعليقات.
ولمناسبة الحديث عن هذه الأخيرة ، فإن مسؤولية النشر عموما - يتحملها الناشر الذي لم يعد كما كان سابقا موقعا ألكترونيا أو شاشة تلفزيونية أو إذاعة أو موقعا إخباريا أو صحيفة وغيره ، بل أصبح بموجب التعديل المزمع إقراره صاحب صفحة الفيس أو حساب التويتر اللذين لا علاقة لهما أصلا بالنشر ( أتحدث عن التعليقات ) لكون أيا منهما لم يستشر بالتعليق قبل نشره ووجده مثل غيره على صفحته ، فهل راعى ديوان التشريع أن التعليقات المنشورة على كثير من التطبيقات لا علاقة للمحرر أو لصاحب الحساب بها بالمرة ، حيث ينشرها القارئ مباشرة وبدون إذن ؟؟ ..أللهم إلا إذا كان المقصود أن ينشر صاحب صفحة الفيس - مثلا - خبرا أو صورة أو فيديو فيجلس طوال الليل يراقب التعليقات التي نشرت عليها بدون إرادته فيشطبها ، وكأننا بهذا نقول للإعلام ولجميع وسائل التواصل الإجتماعي : : لا تنشر ، ولا تشير ، ولا تضغط " لايك " على أي شي ، أقعد عاقل " لا توكل ولا تشرب بس اتطلع بعيونك " على رأي سميرة توفيق ، دون أن يعني هذا بأن صاحب الحساب ليس بإمكانه حذف التعليق ، ولكن من يحمي هذا الشخص إذا كان مقدم الشكوى التقط صورة عن التعليق حال نشره ، حتى قبل أن يراه صاحب الحساب ؟؟ . .
نحن في القرن الحادي والعشرين يا جماعة ، وبلدنا مدين بـ 35 مليارا ،أليس كذلك .. كيف سيراقب المواطن الأموال العامة وكيف ستلاحق الدولة الفاسدين وعصاباتهم إذا كانت حتى التقارير الرسمية الصادرة عن جهات ذات علاقة بالإمكان مقاضاة أصحابها وفق قانون الجرائم النافذ ،فما بالكم بالقانون المزمع تعديله ، ولمن يستغرب هذا الكلام ، فإن تقارير الأمن العام ، ومكافحة الفساد ونقارير ديوان المحاسبة وغيرها ستخلو بعد التعديل المرتقب من أية تفاصيل ، لأنه بات بإمكان أي لص أو مشتبه به مقاضاة الأمن ومقاضاة هيئة النزاهة وديوان المحاسبة معا ، بدعوى اغتيال شخصية الحرامية ، ولمن لا يعلم ، فإن المحاكم باتت تشهد أنواعا مشابهة من هذه القضايا .
أيها السادة : إلى أين نحن ذاهبون ؟؟ .