*هل تملك الحكومة السيطرة على مَواطِن الاحتقان بالشارع?
*الفريق الاقتصادي لعب دور المتفرج ويتحمل مسؤولية تدهور الاوضاع الاقتصادية .
*وزارة البخيت اضاعت فرصة العمل بتعظيم الاستفادة من نمو الحوالات والسياحة .
*أيهما افضل ماليا للخزينة : زيادة الاسعار ام تنامي مظاهر الاحتجاج وزعزعة الاستقرار .
*أين خطة التحفيز الاقتصادي?, وما هي الاستثمارات التي قدمت للمملكة? ولماذا بقيت المشاريع المبرمة جاثمة دون حل?
* هناك من يتربص بامن البلاد ويستغل احتياجات المواطنين لتوظيفها في اقامة المظاهرات .
بات واضحا ان هناك طبخة حكومية في اتجاه اتخاذ قرار يقضي بزيادة اسعار المحروقات خلال ايام قليلة حتى يتسنى للخزينة توفير اموال لسد عجز الموازنة الذي ارتفع بشكل كبير نتيجة فشل السياسات الاقتصادية الرسمية من جهة ونمو اسعار النفط من جهة اخرى وتحمل الموازنة عبء دعم بعض المشتقات.
صحيح ان الوضع الاقتصادي في غاية الصعوبة لكن على الحكومة ان تناقش وتدرس هذا الموضوع من كافة جوانبه, فمثل هذا القرار له كلف مالية باتجاهين, بمعنى انه سيأتي باموال للخزينة وفي نفس الوقت سيفقدها, عندها ستكون مهمة صانع القرار المواءمة بين كلف الخسارة في حال اتخاذ القرار ام لا.
قرار رفع اسعار المحروقات في هذا الوقت فيه انتحار سياسي واقتصادي واجتماعي لحكومة البخيت, وذلك لعدة اسباب, ابرزها ان هذا القرار يفترض ان يأتي بعد ان تكون الحكومة استكملت اجراءاتها نحو تحفيز الاقتصاد واتخذت كافة المبررات ولم توفر اي مجهود في انعاش حركة القطاعات الاقتصادية التنموية المتوقف بعضها بشكل تام.
بصراحة لا اجد كمراقب اقتصادي اي تحرك حكومي في تحفيز الاقتصاد الوطني, بل اكاد اجزم انها لم تفعل شيئا بهذا الخصوص, فالبورصة في انحدار منذ اشهر دون ان يلتفت اليها احد, لا بل ان موظفيها في اعتصام مفتوح منذ 32 يوما دون اي تحرك حكومي والقيمة السوقية فقدت اكثر من 2.2 مليار دينار منذ بداية العام, والمشاريع الاقتصادية الكبرى سواء كانت في العقبة ام في المناطق التنموية الاخرى ام في وسط عمان متوقفة لشح السيولة وخلافات الشركاء, والقطاع الصناعي يعاني الامرين جراء ارتفاع كلف الطاقة من جهة والغبن الذي لحق به جراء اتفاقيات التعاون الثنائي مع بعض الدول.
الاخطر من ذلك ان الحكومة التي تريد الآن ان ترفع اسعار المحروقات ما زالت تتخذ موقف المتفرج ازاء الهبوط الكبير في الدخل السياحي والحوالات والاحتياطيات من العملة الصعبة, واحصاءات الشهور الخمسة الاولى من العام تدلل على هذا التراجع المخيف الذي لو كان هناك عمل حكومي باتجاهه بشكل حقيقي وفاعل لوفرت للخزينة مئات الملايين من الدنانير جراء فقط النمو في هذه القطاعات وعوضتها دعم بعض المحروقات, لكن ماذا عسانا ان نقول.
يعلم الجميع ان المواطن ليس له علاقة بتنامي عجز الموازنة, فهو دائما يتحمل وزر اخطاء السياسات الحكومية, في الوقت الذي لا نشاهد اي محاسبة او تقييم لاي برنامج اقتصادي او مسؤول, في النهاية وكما جرت العادة يتم اللجوء الى جيوب المواطنين.
البخيت الذي يتحدث عن صعوبات وتحديات اقتصادية لا نراه يترجم اقواله هذه الى موقف مشابه لوزرائه من الفريق الاقتصادي المسؤول عن هذه الحالة, وعدم ابتكاره حلولا لمعالجة الوضع المزمن الراهن, وهذا يعني لي شخصيا ان الرئيس منسجم مع سياسات وسلوك هؤلاء الوزراء بدليل انه لم يقم بتغيير اي منهم في التعديل الوزراي الاخير, وبالتالي لماذا يتم تحميل الاردنيين عجز الحكومة الاقتصادي, أليس وظيفتها وضع خطط التحفيز والطوارئ وان تضع خارطة طريق لادارة الاقتصاد تنجيها من اي مآزق استثنائية.
طبعا سيقول البعض لو كنت الآن محل الحكومة ماذا ستعمل حتى تعالج وضع الخزينة الصعب, اقولها بصراحة: لو كنت شخصيا محلهم لقدمت استقالتي فورا لفشلي في قراءة المشهد الاقتصادي وايجاد الحلول والبدائل لتحفيز الاقتصاد, عندها ستعاد الثقة تدريجيا للمواطنين بعد تلك الاستقالة لان في التغيير روحا جديدة واملا قد يعود لقطاعات بان هناك تحركا نحو الاحسن.
في ظل الاوضاع السياسية الراهنة وتنامي حركة الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية هل تملك حكومة البخيت القدرة على السيطرة على مواطن الاحتقان الشديدة في الشارع سواء كانت في عمان ام في المحافظات?, الوقائع تؤكد ان الحكومة واجهت مشكلات عديدة جراء تنامي الاعتصامات, صحيح انها لم تفقد السيطرة, لكن في بعض الاوضاع كادت الامور ان تسير نحو الهاوية, هذا في ظل مطالبات الاصلاح السياسي ومحاربة الفساد, فكيف ستكون شكل وحجم تلك المظاهرات اذا كان هناك رفع اسعار للمحروقات?.
المعروف ان لكل قرار تبعات سلبية وايجابية, وحتى يكون القرار سليما فان من شروط نجاعته وفاعليته ان يكون اتخاذه في ظرف زماني ملائم, فهل هذا وقت مناسب لمثل هذه القرارات غير الشعبية?, لا اعلم حقيقة على ماذا تركن الحكومة من ان الامور تسير بشكل صحيح في الوقت الذي عادت فيه المظاهرات بشكل تدريجي وكبير.
لكن الاهم من ذلك هل تملك الحكومة دراسة حقيقية لكلف اتخاذ قرار زيادة اسعار المحروقات على القطاعات الاقتصادية المختلفة?, بمعنى لو رفعت الحكومة الاسعار فان ذلك سيوفر على سبيل المثال 400 مليون دينار للخزينة حتى نهاية العام, لكن في المقابل كم سيؤثر سلبا على نمو القطاع الصناعي الذي يعاني اصلا من ويلات ارتفاع اسعار الطاقة, وكم سيؤثر ذلك على القطاع السياحي? وكم ستتحمل الخزينة من اموال اذا لا سمح الله استنفرت الدولة اجهزتها الامنية لمواجهة الاحتجاجات المتوقعة, الاخطر من ذلك كله ماذا لو تناقلت الفضائيات مظاهر الاحتجاج والاعتصامات بشكل اكبر, كيف سيؤثر ذلك على الاستثمار في المملكة خاصة وان الجوار يعيش مشهدا غير مستقر على الاطلاق, في اعتقادي ان الحكومة سيكون وضعها افضل لو تحملت دعم بعض المشتقات النفطية وحافظت على الاستقرار الامني في البلاد الذي يعتبر ميزة تنافسية حقيقية في منطقة يشوبها الصراع بدلا من ان تكون هناك مظاهر سلبية تحرم الاردن من اية استثمارات خارجية او افواج سياحية او تحويلات مالية من المغتربين.
ولا ننسى انه لغاية يومنا هذا لم تحرك حكومة البخيت ساكنا تجاه معالجة حقيقية لقطاعات اقتصادية جامدة ومشاريع جاثمة منذ سنين, ولم تقم باي عملية لتشغيل الاردنيين في تلك القطاعات التي لو تم حل مشاكلها لاستوعبت الاف الخريجين الذين ينضمون الى صفوف البطالة في المرحلة الاولى والى صفوف المتظاهرين في المرحلة الثانية.
ومن قال في النهاية ان رفع اسعار المحروقات سيزيل العجز وسيقضي عليه او سيوصل الدعم الى مستحقيه, فهذه سيمفونية رددتها كافة الحكومات السابقة عند اقتراب اتخاذ قرار زيادة الاسعار, والنتيجة هو ان الحكومات رفعت الاسعار ولم يتحقق اي شيء من الاهداف السابقة, فالعجز والمديونية زادا, والدعم لم يصل الى مستحقيه, وبالتالي فان هذا الخطاب الرسمي لا يحظى بثقة المواطنين الذين عانوا الامرّين من سلوكيات الحكومات السابقة بهذا الشأن.
على الحكومة ان تدرك تماما ان الظرف السياسي في المنطقة عامة وفي الاردن خاصة غير موات على الاطلاق لاتخاذ مثل هذه القرارات التي لا يعلم عواقبها احد, والتي تخالف اساسا توجيهات جلالة الملك للحكومة بتحسين ظروف المواطنين المعيشية, لذلك لا بد من التراجع عن الموضوع في الفترة الراهنة, وهي تعلم جيدا ان هناك بعض الفئات تتربص بامن الوطن وتستعد لتوظيف احتياجات الناس لتأليبها على الحكومات وزعزعة الاستقرار, حمى الله البلاد والعباد من سوء القرار.