استوقفني بالامس هذا العنوان لمقالة الشاعر حيدر محمود الذي اشار من خلالها لمقارنة بين عهدين لوزيري اعلام احدهما في النصف الثاني من القرن الماضي واسمه صلاح ابو زيد وثانيهما في بداية هذا القرن واسمه مروان المعشر، وكعادته حيدر في كتابته الرمزية اثار الشجون لدى من قرأ المقال وتعايش مع العهدين.
وعودة للموضوع لا بد من اختصاره بجملة مفادها بأن الاعلام المرعب كان اعلام وطن والاعلام المرعوب اصبح اعلام حكومات.
الاعلام المرعب كان في ايام الحكومات المرعبة التي لا تخشى في الحق لومة لائم ولا تعرف الاسترضاء ولا الجهوية ولا تخضع للابتزاز وكانت ايامها ايام انتماء وولاء وحراك سياسي استلزمته الظروف ابتداء من مؤتمر الخرطوم سنة 1964 ومرورا بالهزيمة الكبرى التي اجتازت عواقبها بلادنا بهمة النشامى من جيش مصطفوي وحكومات لا يعرف اعضاؤها الا الاستقامة والنزاهة والاخلاص للثوابت الاردنية التي نقشها انذاك وزير الاعلام المرعب صلاح ابو زيد على الدوار الثالث في جبل عمان:
الله – الوطن – الملك
وحدة – حرية – حياة افضل
رؤساء الحكومات انذاك ابتدأوا بهزاع وانتهوا بوصفي بعد ان حملوا الراية من توفيق ابو الهدى وابراهيم هاشم وسمير الرفاعي وفوزي الملقي وسعيد المفتي وسليمان النابلسي وجميعهم لاقوا وجه ربهم خير ملاقاة لانهم اخلصوا لامتهم ولشعبهم ولقيادتهم الهاشمية ولا احابي احدا من الذين ذكرت او الذين لم اذكر حتى من بعدهم من القلة ان قلت انهم كانوا كبارا بانتمائهم وولائهم ونزاهتهم وحتى بحسن اختيارهم لوزرائهم الاكفياء الانقياء.
كان الاعلام مرعبا ولدينا محطتي اذاعة في عمان ورام الله اتبعهما صلاح ابو زيد بمحطة تلفاز وكان لدينا ايضا صحيفتين يتيمتين هما الجهاد والدفاع واصبحتا الراي والدستور واضيفت لهما صوت الشعب فكان الاعلام مرعبا انذاك لانه اعلام وطن لا يسعى رجاله والعاملون به للمال او للابتزاز او للارتزاق.
اما الاعلام فقد اصبح مرعوبا منذ التسعينات بالقرن الماضي وحتى يومنا هذا لانه باختصار اصبح اعلام حكومات واعلام مصالح شخصية واعلام ارتزاق وابتزاز بهرت بوضوح فيه بوادر اغتيال الشخصية الاردنية وذهب من خلاله الصالح في عروى الطالح.
وخلاصة القول استذكر حادثة يوم كنت بزيارة لدولة الامارات المتحدة والتقيت في منزل صلاح ابو زيد بحضور محمد الصحاف وزير الاعلام العراقي الاسبق وبعض الاعلاميين العرب القدامى وما هم بالقدامى جلستهم تلك ارعبتني واعادتني للاعلام المرعب لانهم تجاوزوا بحديثهم ذكر الاشخاص والمصالح الشخصية واكتفوا بالحديث عن هموم الامة بشعوبها شعبا شعبا وخلصت بنتيجة من تلك الجلسة الى ان قوى الشد العكسي في أي قطر عربي وقفت وتقف عقبة في طريق الاصلاح بشتى انواعه مثلما تقف في وجه اعلامي الوطن وتدفنهم في الحياة وتكيل لهم التهم والاباطيل لتشوه صورتهم التي لن تشوه لثقة الرجال باصحاب تلك الصور ومع ذلك فقد حرم صلاح ابو زيد من تقاعده كحق طبيعي له على دولته التي افنى زهرة عمره في خدمتها حرم لانه صاحب مدرسة اعلام الوطن لا اعلام الحكومات فكالوا له تهمة لا تليق به وبنا وحكموا عليه بجرم الاختلاس لانه باع طاولة مهترئة للسفارة بدون تشكيل لجنة مشتريات بينما نرى اليوم ان من باعوا الاوطان وتاجروا بها وجعلوا من وظيفتهم التي كانت مقتصرة على خدمة مليكهم وشعبهم والتي تحولت عند بعضهم لخدمة السماسرة ورهط شيلوك ودافعي الكومشينات واصحاب الكازينوهات والملاهي الليلة حيث يقف من خلف اولئك كتاب التدخل السريع من الهتيفة والمطبلين والمزمرين ينطبق عليهم قول علي كرم الله وجهه:
البحر تعلو فوقه جيف الفلا والدر منبوذ بأسفل رمله
حمى الله الاردن والاردنيين ملكا عظيما وشعبا طيب الاعراق وان غدا لناظره لقريب.