وما لم نصارح أنفسنا أننا أمام حقائق جديدة تتطلب مقاربات مختلفة، فسنبقى ندور حول الأكمة ونعود للمربع الأول من الجدل والتلاوم بعد فترة قد تطول أو تقصر.
وقد يقول قائل إن الأردن عاش دائما على حد السيف وأنه لم يعرف الا نادرا فترات الرغد والبحبوحة الإقتصادية. وكانت الأحداث تداهمه دائما إذا ما قيض له أن يمضي ولو خطوات قليلة على طريق الإنتعاش. وكثيرا ما كانت هذه التطورات والحروب والأحداث تعيده إلى دائرة التقشف مرة أخرى، بل وقد تلقى عليه أعباء إضافية نتيجة للحروب وما يصاحبها من هجرات.
إن هذا القول لا يخلو من الصحة والوجاهة، ولكن الصحيح أيضا أننا نواجه الأن وضعا غير مسبوق بسبب الأحداث العاصفة التي مر بها الوطن العربي في السنوات الأخيرة، فهناك دول واجهت أزمات وجودية تركت ندوبا في واقعها الجغرافي والديموغرافي لن تنجو منها لسنوات طويلة، وثمة إنعكاسات سلبية للحروب والأزمات التي اجتاحت المنطقة في السنوات الماضية ستلقي بثقلها علينا وعلى غيرنا لفترة قد تقصر أو تطول، كما أن الأزمات البينية التي اشتعلت بين الدول العربية في الفترة الماضية ستؤثر سلبا على قدراتها وستجعلها أمام واقع جديد يجعلها تعيد النظر في أولوياتها المتعلقة بدعم الدول الأخرى. وهذا واقع لم تشهده المنطقة من قبل رغم كل مامر بها من صعاب وتحديات.
إن هذه القراءة للواقع وللتطورات التي شهدناها في السنوات الماضية تشير بما لايدع مجالا للشك أننا أمام واقع اقتصادي جديد لا يمكن تجاوزه بالمقاربات القديمة، وأن هذا الواقع الجديد يتطلب مصارحات صادقة مع النفس ومعالجات من نوع آخر.
ولعل النقطة الأبرز على طريق المعالجة تكمن في الاعتراف أن علينا البدء في مغادرة عقلية الإعتماد على الآخرين والإستعاضة عنها بالاعتماد على الذات وتفعيل كل القدرات الداخلية لمواجهة هذا الواقع الجديد.
إننا نقول ذلك والثقة تملأ قلوبنا أننا قادرون على تحدي الصعاب وتخطي كل العقبات، فقد ثبت بما لايدع مجالا للشك أن الأزمات والصعاب تظهر أجمل مافي وطننا من معاني الوحدة والتكافل والتميز والإبداع. ونحن لا نلقي الكلام على عواهنه هنا أو نتحدث حديثا عاطفيا، ويكفي أن نعيد إلى الأذهان الكيفية التي واجه بها مواطنونا الأزمات التي مرت بنا في السنوات الأخيرة، فقد واجه الأردنيون الصعاب والتحديات دائما بصفوف متراصة وقلوب متعاضدة.
إن المرحلة الجديدة تتطلب أيضا استنباط كل مكنونات القوة في المجتمع وتعزيز قيم التكافل بشكل يتجاوز المناشدات العاطفية وصولا إلى واقع جديد تضيق فيه الفوارق والفجوات وتتراجع فيه مشاعر الإحتقان الناجمة عن هذه الإختلالات.
ولسنا ممن يعتقد أن هذا التحول المطلوب باتجاه الاعتماد على الذات هو طريق سهل وميسور، فهو درب محفوف بالصعاب ويستدعي إعادة النظر في منطلقاتنا الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والإعلامية.
إن المطلين على التطورات الإقتصادية هم أكثر الناس إدراكا لهذا الواقع الجديد، ولكن المصلحة تقضي الايكون الأمر مقصورا عليهم، فجميعنا شركاء في البناء والنهوض، وعلينا أن نعمل معا لرسم ملامح مرحلة جديدة عنوانها إطلاق الطاقات الأردنية وتحفيز كل مكامن القوة في المجتمع نحو شراكة فاعلة من أجل الغد الذي نصبو إليه جميعا.