هل هذه نهاية النفق المظلم في قضية الحريري؟
تم تسليم القرار الأتهامي الخاص باغتيال الرئيس الحريري الى القضاء اللبناني وتم التصديق عليه من قاضي الإجراءات التمهيدية، وشمل القرار المطالبة بجلب لمتهمين أربعة يجمعهم انتماؤهم الى حزب الله، مما يعني اتهاما ضمنيا مباشرا للحزب بتبني التحريض والتخطيط والتنفيذ لعملية الاغتيال، وكذلك من المنتظر أن يتم تسليم مذكرات اتهام لإفراد من النظام السوري حسب التسريبات، وحيث أن عملية الاغتيال طالت شخصية مثل الحريري ملكت أكثر من صفة ومركز.. فعلينا أن نتساءل هنا عن الشخصية المقصودة في الاغتيال ؟، هل هو رئيس الوزراء اللبناني أو الاقتصادي الكبير أو الرمز السني أو الأب الجامع لأبناء لبنان..؟ أو جميع هذه الصفات..؟ وكيف ضمنت وعملت على تدفق مصالحها بانتهاء شخص الحريري..؟
إن الاستدلال الرسمي على القاتل أو القتلة وجلبهم للعدالة قد لا يكون الحل الوحيد المطلوب، ولا هي نهاية النفق.. بل من الخطورة أن ينتهي الموضوع بتحديد الاتهام بشخوص بأسماء معينة ومن ثم إصدار أحكام قضائية عليهم (مع قناعتنا بأن ذلك من المستبعد أن يتم لرعونة الحضن الحامي والمفعل لهم) ثم إغلاق القضية وقانونيا، وليس المقصود هو إثارة العصبيات وطلب الثأر للضحية أو للضحايا بل المطلوب أن نعرف بأي ذنب سيقتل التالي.. حفظا لماء الوجه أمام الحانوتي..!.
ففي حالة الحريري تكمن أهمية معرفة القاتل في إنها من المفترض أن تؤدي لمعرفة الدوافع الحقيقية للجهة القاتلة وهل هي دوافع آنية انتهت بانتهاء الشخصية المغتالة..؟ أم هي نتاج حقيقي من صميم بنود الايدولوجية التي لا وجود لضوابط تحكم سريان مشروعها..؟، وما هي الحدود التي يمكن أن تصل لها لممارسة برامجها..؟، حيث أن القتل هنا لم يكن شخصيا (زيد قتل عمر) ولم يكن قتلا للثأر مثلا أو للسرقة أو للانتقام عن ما سبق، فالجريمة الكبرى هنا هي دوافع الفعل ومحركاته وتفرغ مجموعة ما للعمل به كمهمة مقدسة وكذلك في البرنامج الذي أنتج الاغتيال وعمل على التغطية عليه والمتاجرة به.
وعند النظر في طبيعة المتهم بشقيه اللبناني والسوري (كأفراد بمهمة رسمية) والضحية نجد أن الجريمة لم تكن لبنانية داخلية تمت على قضايا وطنية محضة، فحزب الله المتهم الرئيسي يعترف بكل أدبياته انه يملك مشروعا فارسيا عقائديا مرتبط بوحدة المصير مع إيران وسوريا وجيش المالكي ومليشيات الصدر في العراق، بينما كانت لبنان تتجه في عهد الحريري الأب نحو الانتعاش الاقتصادي والسلم السياسي والاتزان الإقليمي حيث استطاع الرئيس الحريري تمتين العلاقات العربية حينها والسعي نحو التنسيق المشترك مع الدول العربية وفق مبدأ الاستقلالية الداخلية والمصير المشترك مع المحيط العربي، واستطاع بناء مؤسسات اقتصادية ومشاريع تنموية من حسابه الخاص استقطب فيها الشباب دون أي حدود طائفية أو مناطقية، فقد كان ينظر لجميع أبناء لبنان على أنهم طائفة واحدة هي الطائفة اللبنانية.
وخلال الأعوام التي تلت اغتيال الرئيس الحريري تحول لبنان بالنتيجة النهائية التي نراها اليوم الى دولة تحكمها الجهة المتهمة بالاغتيال (باستثناء الجنوب (المقاوم) الذي انسحبت منه وسلمته للقوات الدولية.. فحزب الله لا يحكمه الآن..!) وأصبحت بالتالي تسيطر بالطرق الرسمية والغير رسمية على مقدرات البلد العسكرية وعلى حدودها وعلاقاتها العربية التي وصلت الى أدنى مستوياتها من حيث التنسيق المشترك.
وكذلك تحول لبنان الى مصانع للخلايا النائمة ونخب الفوضى التي تهدد الاستقرار الداخلي والعربي وذلك بفضل انسحاب (المقاومة) من الجنوب وتفرغه لتدريب الخلايا العقائدية (المبتعثة) عنده حيث أصبح لبنان منتجا لخبراء قمع المظاهرات في سوريا ومصدّرا (للثوار) الى الكويت والبحرين كما في حالة (مشيمع) وغيره من البحرينيين الذي اخذوا التعليمات من الضاحية الجنوبية قبل انطلاقهم في شهر مارس لساحة اللؤلؤة في البحرين لبث الفوضى والمطالبة بإسقاط (النظام) لإلحاق البحرين الى إيران كما تم المناداة علنا في يوم 17 مارس في شوارع المنامة.
إذا أسئلة كثيرة نعرف الإجابة عليها ولكن بانتظار الإجابة عليها رسميا وبأسمائها الحقيقية ودون الخجل من (إخوتنا) في الإسلام في مراقد قم وطهران أو خوفا من شبيحة القرداحة أو من الصواريخ الكرتونية التي تخزن في سهول البقاع وجبل محسن في طرابلس، ويجب العمل على معالجتها بالشكل المنطقي كي لا نتحول كلنا الى ضحايا تستنجد في محكمة الجنايات الدولية لإنصافها يوما ما.
جرير خلف