أثارت الندوة التي عقدها مركز القدس للدراسات بعنوان "علاقة الأمني والإعلامي في عالم متغير" شجونا كامنة. وأفلتت أحزان الفكر من عقالها وطرحت سؤالا داميا، هل نحن جادون في الوصول الى علاقة متوازنة بين الأمن والإعلام، وهل تتعامل أطراف المعادلة مع الموضوع بالجدية المفترض أن تتعامل بها، خصوصا وأن الطرفين يتجاذبان عصا الديمقراطية، كل من طرف.
لقد غاب الصحافيون عن الندوة، ولم يحضر سوى أقل من نصف عدد المدعوين، كما قال عريب الرنتاوي مدير المركز منظم الندوة. وغاب عنها متحدثان رئيسان من الأجهزة الامنية، فاذا كان الإعلاميون وهم أصحاب القضية غير مهتمين بقضيتهم الأساسية، فإن هذا يؤشر على خلل واضح في ثقافة وعقلية وطرائق التفكير لديهم.
إشكالية العلاقة بين الأمني والإعلامي قديمة ومتجددة، ولن أتحدث عن شكلها السابق وعدم توازنها، ولكن أفترض أنها يجب ان تكون علاقة تكاملية، أساسها خدمة الوطن. قد تختلف الأساليب والطرق، ولكن هدفها واحد وثابت. ومن المحتم أن تلتقي كل هذه الأساليب لخدمة الهدف.
مداخلات الحاضرين تركزت على حرية الإعلام، وكان واضحا أن هاجس الحرية، يشغل تفكير المتحاورين ويقلقهم، بل يصل القلق إلى حد الرعب. ومن الواضح أن الإعلاميين لم يعودوا يعرفون أين هي مواطئ أقدامهم. ففي الوقت الذي يطلق فيه جلالة الملك صرخة الحرية معلنا أن حرية الإعلام سقفها السماء، تبادر الحكومة إلى وضع مشاريع قوانين مقيدة لحرية الإعلام، وتعود بنا الى الوراء عشرات السنين. ومع أن الحكومة، كما قال الزميل طارق المومني نقيب الصحفيين وعدت بأن لا تقوم بأي تعديلات على قانون المطبوعات إلا بعد استشارة الجسم الصحافي، إلا أنها وضعت التعديلات تحت جنح الظلام، وقررت رفعها الى مجلس النواب، ما دفع وزير الدولة لشؤون الإعلام إلى الاستقالة احتجاجا عليها. لقد أصبح الاعلاميون يعيشون في حالة من الانفصام الفكري، فهم يسمعون بالحرية بعيدا عن القوانين المقيدة لعملهم، ويصطدمون بالواقع الذي يكبلهم ولا يريد لهم التقدم في عملهم.
لقد كشفت الندوة بكل بساطة أن العلاقة بين الإعلامي والأمني من الممكن أن تكون إيجابية في كل الأحوال، اذا تفهم كل طرف حاجة الآخر وضروراته المهنية، ولكن يبدو أن هناك من لا يريد لهذه العلاقة أن تستقيم وفق مسارها الصحيح. وأن هناك من يريد رسم مسار هذه العلاقة وفق المفاهيم التي كانت سائدة في فترة الأحكام العرفية من دون الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الجارية في العالم، والتي لا يمكن ان نظل بعيدين عن تأثيراتها. ولا يمكن لنا أن ندير ظهورنا لها تحت أي ذريعة. ولعل هذه التعديلات تكون اختبارا حقيقيا لأعضاء مجلس النواب الذين سيقررون رفضها أو قبولها.
اللافت في الندوة عنوانها الجريء. واللافت ايضا مستوى الحوار الذي قدمه مدير التوجيه المعنوي العقيد عودة شديفات ومندوب الأمن العام العقيد عديل الشرمان، ولعلهما كانا نقطة مضيئة، وسط مساحة واسعة من التشاؤم، وإن كان مدير الندوة عريب الرنتاوي يريد الوقوف في منطقة متوسطة بين التشاؤم والتفاؤل.
علاقة الأمن والإعلام
أخبار البلد -