لو حسبنا حجم الابتهاج الشعبي باستقالة الوزير طاهر العدوان, فهل يساعدنا ذلك في التعرف على حجم الابتهاج الوطني العام باستقالة عشرة أو عشرين وزيراً?
دعونا نحاول النظر إلى ظاهرة الابتهاج تلك من زوايا أخرى:
هذا الابتهاج يعني أن الناس لم يكونوا يتوقعون هذا الموقف, بمعنى أنهم كانوا يتوقعون أن تكون الأولوية عند الوزير للمنصب لا للمبدأ. وعلينا أن نتذكر أنه عند لحظة تعيين أي شخصية ممن يعرفون بمبدئيتهم في منصب وزير أو أي منصب مهم آخر, فإن الناس في أحسن الأحوال يضعون أيديهم على قلوبهم, وبعضهم لا يتردد عن توجيه شتى الاتهامات: "اشتروه", "باعها", "سلامة تسلمك".. إلى آخره. وفي الواقع إن الأمثلة متوفرة بكثرة لتبرير هذه المخاوف والتهم. لقد بلغ الأمر أن هناك فكرة عامة في الوعي السياسي "الشعبي" تقول أن بعض المعارضين يتحملون أعباء المعارضة في مرحلة أولى من حياتهم كجزء من خطتهم للوصول إلى المناصب فيما بعد.
لكن هذا الوضع بمجمله يعتبر شاذاً من منظور بناء المجتمعات والدول. فلا يعقل أن يكون المنصب محاطاً بالشك بصورة مطلقة, لقد كان على أنصار الإصلاح والديمقراطية أن يغضبوا ويقلقوا لمغادرة الأستاذ طاهر لمنصبة. بعبارة أخرى, إذا كان من حق الناس أن يبتهجوا لأنهم اطمأنوا إلى مبدئية أحد الوزراء, كما من حق أصدقاء الأستاذ طاهر أن يحيوه لأنه لم يخذلهم, لكن على كل هؤلاء أن يكونوا حزينين لأن شخصاً مبدئيا لم يتمكن من الحفاظ على مبدئيته ومنصبه في آن واحد, خاصة وأن ذلك يجري في عصر الكلام عن الإصلاح والتقدم بخطى ثابتة.0