ما بعد خطاب الرئيس وتابعه..
أتى خطاب الرئيس السوري الثالث وانتهى في حينه.. حيث أكد فيه على تعرض سوريا لمؤامرة خارجية وقسّم فيها الشعب السوري الى أصناف ثلاثة، واسترسل فيها بشرح لخطط إصلاحية مقترحة من قبله حيث أدخلنا في دوامة الروتين المفترض وحاول أن يرسم الديمقراطية والحرية والعدالة نجوما في السماء.. سنشاهد وميضها لا أكثر.. إلا انه وعدنا بأنه سيعمل من خلال القنوات الرسمية ومستشاريه وموظفيه على زرع أجنحة للشعب السوري للطيران لها..
كانت فقرات حديثه ومصفوفاته اللغوية.. كلمات ليس أكثر صاغها الرئيس وحاول المحافظة إثنائها على هدوء وثقة مبالغ فيها لم يكن موقفه يسمح له بها، ولم يمنعنا ذلك من استقراء خوف الرئيس من شر نفسه.. فقد فضحه ارتباكه أكثر من مرة نمعرفته باستحالة إيفائه بالوعود التي أطلقها..، باختصار لقد أخذنا جميعنا على البحر ورجع بنا عطشى.. فقد كان خطابه فض مجالس لا أكثر على المستوى الداخلي، ورسائل مبطنة على المستوى الخارجي..
إذا بالنتيجة لم يحمل الخطاب سوى رسالة واحدة لشعبه ورسائل عدة للخارج رغم توسيع خطابه ليجعل من فقراته أحاجي ومتاهات، فقد كان خطابه للشعب مجرد أمر ضمني إيحائي يتركز في ضرورة الإيمان بقدسيته النظام الذي هو رأسه وبالشكل الذي يضمن لهم الحياة من خلال تعويذه (شعب مطيع لحاكم مقدس وللأبد) وخلاف ذلك.. مؤامرة، وقدر النظام السوري ومهمته السماوية دوما.. معالجة (المؤامرات) بسحقها.
وفي اليوم التالي جاءت تصريحات وليد المعلم وزير الخارجية ليتمم رسائل الرئيس من خلال تأكيد المبالغة في الثقة الداخلية للنظام وإبراز نقاط القوة والأوراق التي يستند عليها للاستمرار في المعالجة الأمنية المفرطة للثورة السورية.. ولكن على ماذا يعتمد النظام ليبدو في هذه الثقة الكبيرة لتجاوز مطالب الحرية والتغيير المستحقة على سوريا..؟
على الصعيد الإعلامي الداخلي ما زال الإعلامي الرسمي يعمل وفق نظرية الإعلام والإعلام المضاد وبطريقة (بول غوبلس) وزير الدعاية الألمانية في عهد هتلر (اكذب ثم اكذب ثم اكذب.. فلا بد أن يصدق الناس في النهاية) ومع التركيز على بث رسائل تمييعية لمطالب الشعب وتخوينية للثوار وبطرق بدت كأنها من صنع هواة في الأعلام والفكر.
وعلى الصعيد الداخلي وبعد فشل النظام الأمني ومرفقاته من الشبيحة والمرتزقة من الباسيج الإيراني وأفراد من حزب الله من إنهاء الثورة السورية أو حتى تقليصها رغم القمع المفرط لها، وكذلك بعد فشله باللعب بالورقة الطائفية بدأت بوادر خطة مستحدثة واتت بعد الخطاب الثالث للرئيس حيث تقتضي هذه الخطة باستخدام الأغلبية الصامتة في دمشق وحلب وذلك للاصطدام مع الشعب الثائر ومن خلال تحشيد إجباري لمسيرات التأييد المضادة والمستفزة والمهاجمة للمسيرات السلمية في مناطق الثورة وبواسطة أفراد منتفعين من النظام في فروع الحزب المنتشرة في الدوائر الرسمية والنقابات والمصانع والشركات الحكومية.
وعلى الصعيد الخارجي فقد كانت الرسائل واضحة ولم تخرج عن الترغيب والترهيب لكل الأطراف التي تحاول أن تأخذ دورا إنسانيا أو سياسيا في المسألة السورية، حيث يعتمد النظام السوري على ملفات إقليمية يمسك بزمامها على صعيد المنطقة، ويدرك الجميع أن النظام لن يتوانى عن استخدام ماكر لأي من هذه الملفات لحماية نفسه، وأول هذه الملفات هي الملف اللبناني حيث تولت حكومة الثامن من آذار والتي يشكل حزب الله عمودها الفقري الحكم رسميا في لبنان وتم تشكيل الوزارة من أفرادها.. مما يعني ذلك حكومة مكملة للحكومة السورية وتملك ذراعا طويلة على المنطقة (حزب الله).
وكذلك ما زال النظام السوري يساوم الأكراد في شمال وشرق سوريا من خلال محاولة استرضائهم بأكثر من قرار في خطوة لتحييدهم وفصلهم عن الشعب السوري ثم استخدامهم كذراع ضاربة باتجاه الشمال ومن خلال حزب العمال الكردستاني الانفصالي وذلك عند الحاجة لمناكفة تركيا، حيث يلاحظ انه ورغم مرور أكثر من مائة يوم على الانتفاضة السورية لم يقم النظام بقمع أو قتل أو اعتقال أي متظاهر من مناطق القامشلي وراس العين والحسكة وهي مناطق تواجد الأكراد ورغم الرفض الشعبي للنظام السوري هناك.
وتبقى الورقة الأهم التي يراهن عليها النظام السوري على الصعيد الخارجي والعربي وهي الورقة الإيرانية والدعم اللامتناهي المتبادل بين النظامين حيث أتت تصريحات وليد المعلم والتي أكد على عدم أهمية العلاقة السورية الأوربية لتوضح مدى الدعم المتوقع من إيران للنظام السوري والذي يعتمد على المصالح الإقليمية المشتركة والدور الكبير الذي ينتظر من النظام السوري لصالح المشروع الفارسي في المنطقة، وهذا ما يجعلنا نتوقع دعما إيرانيا اكبر من إرسال الخبراء الأمنيين وأسلحة القمع الإيرانية لصالح النظام.
وفي النهاية لا يتوقع من النظام السوري التعاطي مع الثورة السورية بالصبر والايجابية.. بل يتخوف الجميع من تصعيد مفاجئ وضربات جراحية موجعة للشعب في الأيام القادمة وذلك بعد هدوء حذر من قبل الأجهزة الأمنية في يوم جمعة (إسقاط الشرعية) والذي بدا فيه النظام ورغم استمراره في القمع المسلح بأنه يعيش حالة هدوء ما قبل العاصفة أمام تصعيدا شعبيا متزايدا ضد النظام ويخشى كذلك من فتح جبهات للفوضى في عدة مناطق من الوطن العربي أمام استمرار الضغوط الخارجية هربا من استحقاق التغيير وتعجيلا في مشروع الفوضى الإيراني.. ولن تشمل جبهات الفوضى هذه والمتوقع فتحها من النظام السوري العدو الصهيوني بالطبع..!
جرير خلف