ما كان «الإخوان المسلمون» موفقين عندما بادروا مع بداية انطلاق الثورة أو الثورات العربية إلى ليس الإيحاء فقط بل الادعاء بأن هذه الثورات ثوراتهم وقد رفع بعضهم شعار :»إننا قادمون» وهذا أغرى بعض الأوساط المراقبة والمسؤولة في الغرب وتحديداً في الولايات المتحدة بتصديق هذا الادعاء والبناء عليه والتحذير من أن البديل للأنظمة المستهدفة هو الإسلام الأصولي المتطرف مما جعل بعض الأوساط والتيارات في الدول المعنية تتخذ إما موقفاً متردداً أو استنكافياً إزاء ما جرى ولا يزال يجري.
لا أحد ينكر أن الإخوان المسلمين قد ارتقوا مسارح هذه الاحتجاجات ولكن متأخرين وبأدوار متواضعة جداً وقد أكد هذا الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية الذي أدلى بتصريحات بعد عودته من رحلة المنافي الطويلة أشار فيها إلى عدم قيام حزبه بدور رئيسي بالنسبة لما جرى في تونس وهذا ينطبق أيضاً على «إخوان» مصر الذين ركبوا موجة ميدان التحرير متأخرين وبعد أن اتضحت الأمور وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتأكد رحيل حسني مبارك ونظامه.
ولعل ما هو معروف ولا يجادل فيه من له ولو إطلالة متواضعة على ما يجري في سوريا أن «الإخوان» السوريين الذين فقدوا قوة ارتكازهم الداخلية منذ أحداث حماة 1982 قد بقوا يراقبون المشهد عن بُعْد هُمْ و»إخوانهم» في الأردن وفي مصر وفي كل مكان وفضلوا الصمت وعدم اتخاذ أي موقف لا سلبي ولا ايجابي إلى أن تغيرت المواقف وخرج خالد مشعل ومكتبه السياسي من دمشق فجرى هذا الانقضاض العاجل وسارع حتى صدر الدين البيانوني ,المقيم في لندن منذ فترة طويلة, إلى تبني هذه الاحتجاجات وعلى أنها احتجاجات إخوانه.. وحقيقة أن هذا غير صحيح على الإطلاق مع عدم إنكار أن لهؤلاء مشاركة لكنها مشاركة متواضعة ومحدودة والدليل هو أن مؤتمر أنطاليا رفض وجودهم إلا بعدد محدد من رموز الصف الثاني غير المعروفين في الساحة السورية.
وبالطبع فإن دورهم بالنسبة لما جرى ولا يزال يجري في اليمن قد بقي محدوداً وثانوياً ويقتصر على إطلالة الشيخ الزنداني بلحيته المُخَضَّبة بالحنَّاء إلى جانب قادة المعارضة التي لها حضورها ووجودها المستمر في اليمن بشطريه منذ سنوات طويلة والى جانب قادة القبائل الذين لهم ولقبائلهم الثقل الرئيسي في هذه الاحتجاجات المتصاعدة التي ستُسقط علي عبد الله صالح ونظامه حتماً سواء عاد من رحلته الاستشفائية من المملكة العربية السعودية أم بقي هناك إلى أن يخلق الله ما لا تعلمون.
إن هذا ليس إنكاراً للإخوان المسلمين ولدورهم الآن وفي السابق ولكنه اعتراضاً على عادتهم الدائمة في مصادرة أدوار الآخرين وعلى إدعاء ما هو ليس لهم وحدهم وهذا ما حصل وما يزال يحصل عندنا هنا في الأردن حيث ركبوا موجة الإصلاح تعسفاً وصادروا أدوار باقي الأردنيين من منهم في الأُطر الحزبية الأخرى ومنْ منهم مواطنون عاديون ومن منهم في مواقع المسؤولية وحقيقة أن هذه الطريقة في التعاطي مع المسائل الوطنية الكبرى والصغرى قد أدى بهم إلى زاوية العزلة والشاهد هو هذا الذي يجري هنا والذي يجري هناك في مصر وتونس وأيضاً.. أيضاً في سوريا.
كل القوى السياسية الأردنية على مختلف مشاربها وتوجهاتها وانحيازاتها قد طالبت بالإصلاح وعملت من أجله إن ليس أكثر من الإخوان المسلمين فمثلهم ومعظم القوى والتيارات السياسية الأردنية شاركت في لجنة الحوار الوطني وقالت رأيها في قانوني الانتخابات والأحزاب وفي كل شيء لكن «الإخوان» اختاروا أن يستنكفوا وهم الآن يتخذون هذا الموقف العدمي الرافض لكل شيء ويتصرفون على أساس انه لا يوجد في الساحة غيرهم ليؤكدوا مصادرتهم للظاهرة الإصلاحية التي يعرف هم وغيرهم أن رائدها الأول هو جلالة الملك الذي كان رفع شعار الملكية الدستورية والتنمية السياسية والحزبية وإصلاح قانون الانتخابات وَرَفْعِ سوية أداء مجلس الأمة بجناحيه الأعيان والنواب منذ أن تبوأ موقع المسؤولية وبقي يدفع حكوماته المتلاحقة في هذا الاتجاه دفعاً منذ ذلك الحين وحتى الآن.