قفزت الى ذهني العبارة الشامتة التي تفوح منها رائحة الكراهية والتشفي, التي اطلقها الداعية الاسلامي الشهير الراحل الشيخ محمد متولي شعراوي, بعد نكسة حزيران 67 "... صليت ركعتي شكر لله تعالى لأن عبدالناصر انهزم".. عندما قرأت ما جاء في الرسالة الاسبوعية للمرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين الدكتور محمد بديع, وقوله أن "هزائم" 56 و67 كانت "انتقاماً الهياً" شاملاً وعاماً, بعد التنكيل بالاخوان المسلمين" في اصرار واضح من جماعة الاخوان على الاساءة والتشهير وبث الكراهية تجاه الزعيم العربي المصري الخالد جمال عبدالناصر, وفي محاولة محكومة بالفشل يواصلون اللجوء اليها لـ (ليّ) عنق الحقيقة وحصر الصراع, الذي أخذوا مصر اليه في الفترة التي تلت ثورة 23 يوليو 52 (ما زالوا يصفونها بالانقلاب حتى في رسالة بديع الاخيرة) والى ما قبل العام 1967, يريدون, وهم الان في حالة غير مسبوقة من النشوة المعطوفة على الاستعلاء والاستكبار, من خلالها, ابقاء "الحساب" مفتوحاً مع عبدالناصر شخصياً وثورة 23 يوليو, التي ستبقى خالدة في ضمائر المصريين والعرب الاحرار, بعد كل التحولات التي احدثتها في المشهدين المصري والعربي, بل وامتداداً الى "المشاهد" الافريقية والاسيوية والاميركية اللاتينية, دون أن نهمل أو نصرف النظر عن الاخطاء التي وقعت أو (أُوقِعت) فيها هذه الثورة, التي لا يريد الاخوان التصالح معها أو انصافها ويصرّون على تشويه صورتها وشيطنتها, على نحو لا ينبيء عن استخلاصهم الدروس والعبر من وقائع الايام المصرية والعربية وخصوصاً في ربيعها "المصري" الاخير, حيث يعلم الجميع - وفي مقدمتهم الجماعة نفسها - انهم ركبوا أو التحقوا بثورة 25 يناير ولم يكونوا من مفجّريها, بل هم - والوثائق والتصريحات موجودة - شككوا في "هوية" اصحابها واصدروا البيانات المحذرة من دعم شباب كهؤلاء, الى أن حدث التحول وشاركوا بفعالية, جاهل من ينكرها وبخاصة دورهم في افشال موقعة الجمل "يوم الجمعة 28 يناير" التي شكلت نقطة تحول في مسار ومجرى الثورة..
ما علينا..
يستمريء اخوان مصر (كما جماعات الاخوان المسلمين في معظم الساحات العربية) دور الضحية, وخصوصاً في اجواء النشوة والابتهاج والعمل العلني الذي تمثل حصرياً في اشهار حزب الحرية والعدالة كذراع سياسية للجماعة, ولهذا لا يحتاج المرء الى كبير عناء عندما يدقق في تصريحاتهم وادبياتهم ووثائقهم, ليكتشف انهم يضعون انفسهم في المقعد "المعارض" الاول, ولا يرون في قوى المعارضة الاخرى سوى كومبارس أو اتباع أو حتى عبئاً, ودائماً من منطلق "الفرادة" وتقمّص دور الضحية في الوقت نفسه, دون اجراء أي محاولة لنقد الذات والتجربة والاعتراف بالاخطاء, فيما التاريخ يقول أن المعارضات الاخرى, كانت تدفع ثمن معارضتها في "عقد" واحد, على نحو يفوق ما دفعه الاخوان طوال "عقود" والتجربتان الاردنية والمصرية ماثلتان بل وطازجتان..
يقول الدكتور محمد بديع "... بعد كل تنكيل بالاخوان هناك انتقام الهي, وهذا حدث" مشيراً الى ان الجماعة كانت اول من اكتوت بنيران الظلم والاستبداد.. وكان الله للظالم بالمرصاد, مستطرداً: كان الانتقام الالهي شاملاً وعامّاً, فعقب اعتقالات الاخوان في العام 1954 كانت هزيمة 1956 (يقصد العدوان الثلاثي الاسرائيلي البريطاني الفرنسي على مصر) وعقب اعتقالات 65 للاخوان كانت الهزيمة الساحقة في 1967"..
هل ثمة شكوك بأن اخوان مصر لا يغادرون قناعاتهم ولا يراجعونها, وهم لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً, وهذا التشفي الواضح والباعث على الغضب والاختزال الحاقد الذي "يُبريء" في واقع الحال, الصهيونية والقوى الاستعمارية والمخططات الاميركية, التي باتت مكشوفة ومعروفة اسرارها, فقط لتصفية الحساب مع جمال عبدالناصر, مهما قيل فيه وعنه, فإنه يبقى فرداً ونظاماً, فيما الذي دفع ثمن هذا الانتقام الالهي (على ما يقول شيخنا المحترم وليس الاستعمار والصهيونية) هو الشعب المصري وباقي شعوب الامتين العربية والاسلامية..
قد يكون ما استطرد عليه الدكتور بديع في شأن مصر مبارك مجرد استزاده لاضفاء دور البطولة على جماعة الاخوان المسلمين, التي تعرض اعضاؤها للاعتقالات والسجن والمحاكمات العسكرية الظالمة, فكان سقوط النظام بأكمله".. على ما ورد في رسالته الاسبوعية سالفة الذكر, دون أن يأتي بذكر على باقي قوى المعارضة أو معظمها, لأنه يريد احتكار دور الضحية ويضفي على نفسه وجماعته القداسة التي تستدعي بالضرورة انتقاماً "الهياً" ايضا لصالح الاخوان وحدهم بالطبع، ولا قيمة أو أهمية لما يقوله المصريون كافة: إن بلدهم كان مختطفاً من مبارك وعصابته؟.
ما دأب عليه اخوان مصر في خطابهم منذ انهيار نظام حسني مبارك, يثير الشكوك والمخاوف حول هوية وطبيعة "الدولة" التي يسعى الاخوان أو قل حزب الحرية والعدالة والجدل المحتدم الان على الساحة المصرية حول اولوية كتابة دستور جديد على الانتخابات (او العكس) يلحظ هذه المخاوف الذي تجلّى في ان طلب الجمعية الوطنية للتغيير يوم اول من امس مِنْ جماعة الاخوان المسلمين, تقديم ضمانات في حال اجراء الانتخابات قبل وضع الدستور الجديد، تضمن مدنية الدولة، ويشمل الاتفاق على مبادئ عامة فوق دستورية, تُلزم الجماعة بعدم انتهاك الحريات وانتهاج الديمقراطية ووضع معايير لتشكيل اللجنة التأسيسية لاعداد الدستور بعد الانتخابات.
آن للاخوان المسلمين في مصر (وغير مصر) ان يستخلصوا الدروس والعبر وان يغادروا مربع العداء والحقد على جمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو وان يدركوا انهم وحدهم لا يستطيعون قيادة تغيير شعبي حقيقي نحو بناء دولة مدنية وديمقراطية (إن كانوا يؤمنون بفكرة الدولة المدنية وتداول السلطة سلمياً) أما التفرد واحتكار الريادة والوطنية وتقمص دور الضحية والاستئثار بعناية المولى عز وجل، فهي مفردات من الماضي نحسب ان ما يجري في العالم العربي.. يدفنه ويذهب به كما الزبد.
"اخوان مصر".. بين "الانتقام الالهي" وثقافة تصفية الحساب!!
أخبار البلد -