وإذ أبقى الملك هذه المسألة في «ذمة المستقبل»، فإن من واجب الحكومة والبرلمان والأحزاب ومختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، أن يغذّوا السير من أجل «تقريب» هذا المستقبل، حتى لا أقول الانتقال إليه من دون إبطاء...فالأردنيون ليسوا «نسيج وحدهم»...وهم من قبل ومن بعد، يليقون بالديمقراطية وهي تليق بهم.
في الخطاب المهم، توقف الملك أمام ما يمكن وصفه بقواعد اللعبة الجديدة التي ستحكم الأردنيين ويحتكمون إليها في طول البلاد وعرضها...كلمة السر (أو المفتاح) في الخطاب، هي «المواطنة»، منها تُستمد كافة الحقوق، وعليها تترتب كافة الواجبات...لا فرق بين أردني وآخر إلا بما يقدمه لبلاده...والأردنيون في ذلك سواسية أياً كانت أصولهم ومنابتهم ومشاربهم ...أياً كانت اتجاهاتهم السياسية والفكرية العقائدية...وأحسب أن ترجمة أمينة لما ورد في هذا الخطاب، تملي على لجنة الحوار الوطني، واستتباعاً الحكومة والبرلمان ، مراجعة مسوّدة مشروع قانون الانتخابات، التي تفصلها عن «قاعدة المواطنة» مسافة شاسعة.
الملك في «خطاب الرؤية» تحدث عن برلمان «يكون ممثلا لجميع الأردنيين»، برلمان بتمثيل حزبي فاعل...فهل هذا ما سيفضي إليه مشروع قانون الانتخابات الذي انتهت إليه لجنة الحوار الوطني...هل نحن أمام مشروع صديق للأحزاب السياسية...أم أننا أمام مشروع قانون سيعيد إنتاج برلمانات العقدين الفائتين، مع «نسبة خطأ وصواب» لا تتعدى الخمسة بالمائة، وفي أحسن تقدير، العشرة بالمائة.
خطاب الملك ذهب خطوة واسعة إلى الأمام، متقدماً على مخرجات لجنة الحوار الوطني...التي حرصت الحكومة في أن تشكلها على هيئتها وصورتها...ومع مقاطعة الحركة الإسلامية للجنة، وغياب التمثيل المتوازن لمختلف المكونات الاجتماعية الأردنية، يصعب القول أن حصيلة توافق أعضاء اللجنة، هي ذاتها حصيلة التوافق الوطني العام والعريض...لذا نرى أن من مسؤولية الحكومة ابتداءً، ومختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، وبالأخص مجلس النواب، أن تراعي في ترجمتها لمخرجات لجنة الحوار الوطني، هذه الاعتبارات جميعها...أن تراعي اعمال مفهوم «المواطنة» و»عدم التمييز» على أساس الجنس أو المنبت أو الاتجاه السياسي والإيديولوجي....وأن تأخذ بنظر الاعتبار أيضاً، أن الملك نفسه، ولا أحد غيره، هو من أشعل الضوء الأخضر لولوج عهد الحكومات الحزبية / البرلمانية المنتخبة.
لا أدري كيف ستتأثر أجندة الحكومة ولجنة التعديلات الدستورية بـ»خطاب الرؤية»...لكن المنطق يقول أنه لا بد من ترجمة هذه المبادئ والخطوط العريضة إلى «جدول أعمال»...لا بد من تحويلها إلى مواد وفقرات وبنود قانونية ودستورية...لا بد أن نراها منعكسة على تركيبة المجلس والحكومة المقبلين...وإلا سنظل نشكو الفجوة بين الخطاب والممارسة...بين القول والفعل... بين حديث الإصلاح العالق في الهواء وخطوات الإصلاح المُجسّدة على الأرض.
الملك حث في «خطاب الرؤية» على اتخاذ «خطوات سياسية إصلاحية سريعة وملموسة، تستجيب لتطلعات شعبنا في الإصلاح والتغيير»...هذه رسالة يجب أن تُقرأ جيداً من قبل الحكومة...ومن قبل أصحاب نظرية «الإصلاح على مدى ثلاثين أو أربعين عاماً»...الملك تحدث عن رفض احتكار مشروع الإصلاح أو محاولة فرض رؤية فريق أو تيار على جميع الأردنيين...لا أحد يقبل بالاحتكار...احتكار الإسلاميين أو الحكومات...لا أحد يقبل لفريق أن يعمل على فرض رؤيته على الأردنيين جميعاً، يستوي في ذلك من كان في المعارضة أو «الموالاة»...نريد طريقاً إصلاحياً توافقياً...ونريد للتوافق ألا يظل محكوماً بمسطرة الحكومة و»استنسابيتها» في تقريب وتبعيد من تشاء وقتما تشاء...ومن تتبع طريقة تشكيل اللجان والهيئات، بما فيها لجنة الحوار الوطني، يدرك تمام الإدراك ما أريد أن أقول.
لقد وضع الملك في «خطاب الرؤية» الأساس لملكية دستورية / برلمانية...وأرسى قواعد العيش والتعايش بين النظام ومشروع الإصلاح، بخلاف الحال في عدد من الدول والمجتمعات العربية حيث النظام والإصلاح نقيضان لا يلتقيان...العبرة اليوم في النتائج الملموسة على الأرض......فهل آن الأوان لتجربة مختلفة ؟!.
الملك في «خطاب الرؤية»
أخبار البلد -
فتح جلالة الملك في «خطاب الرؤية» الباب واسعاً لإصلاح دستوري يلبي مطلب الأردنيين الأساس، في انتخاب حكومات برلمانية حزبية، مبنيّة على رؤى وبرامج، تحظى بثقتهم وتعمل من أجلهم...يمنحونها الثقة ويمنعونها عنها، تماماً مثلما يفعل سائر «خلق الله» في الديمقراطيات العريقة والناشئة، سواء بسواء.