ثمة أسباب يمكن تتبعها لقراءة رسالة التحذير الملكية الأردنية التي طالت في خطاب شامل أمس الأول رموز التصعيد في الحركة الإسلامية على قاعدة التلميح لإن أحدا في البلاد لا يحتكر الإصلاح ولا ينبغي إسترضائه ثم التركيز على أن خطط الإصلاح السياسي الرسمية ليس شرطا أن تخضع لإبتزاز أي تيار.
وهذه الأسباب متعددة وتبدأ من التعليقات التي تصدر بين الحين والأخر عن قادة في التيار الإسلامي وتكون مفعمة بالإستفزاز للدولة والنظام خلافا للمألوف في خطاب الإسلاميين ورموزهم ثم تمر بإمتناع منظمي بعض النشاطات الشعبية الإسلاميين عن عزف السلام الملكي في إجتماعاتهم العامة خصوصا بالمناسبات الوطنية.
وتنتهي هذه الأسباب عند الإيحاء الذي يتجول أحيانا في أروقة الساسة والصحف بعنوان إمتلاك زمام المبادرة في التحدث عن الإصلاح والدعوة له من قبل الأخوان المسلمين دون غيرهم في المجتمع السياسي وهو إيحاء يعتقد في المستوى الرسمي أنه مرسوم على قدر البوصلة الأمريكية التي تغازل عن بعد الإسلام السياسي المعتدل في العالم العربي وتحديدا في دول الشرق الأوسط.
وطوال الأسابيع الماضية سعى الإسلاميون في عمان لتغيير بعض قواعد اللعبة وراجت في أوساط القرار نغمة تحذر من تركز خطاب الدعوة للإصلاح بأيدي الحركة الإسلامية فقط وتأثير ذلك سلبيا على الحكومة الأردنية في الداخل والخارج.
وثمة من يصر في المعادلة السياسية الأردنية على أن النسخة الأخوانية الأردنية برمجت لإبتزاز النظام طوال أسابيع الحراك الشعبي الماضية عبر إظهار القدرة على المبادرة بالشارع أولا ,وعلى التواصل مع العالم الغربي الذي يحب لغة الإصلاح والتغيير ثانيا.
ومن الواضح للمراقبين بأن نفوذ الإسلاميين الواقعي في المعادلة الوطنية يتغذي يوميا على قصص وحكايات الفساد وعلى أخطاء الحكومة والمستوى البيروقراطي وعلى التراجع الحاد في سمعة منظومة النزاهة الإنتخابية وسط المواطنين فقد شكل تعثر الإدارة وإرتباك النخب الرسمية وشيوع الكثير من قصص الفساد في تنشيط الحضور والتحريض الأخواني في صفوف المجتمع حتى طال المحافظات وبعض اوساط العشائر.
لكن التمدد الأفقي في نفوذ بعض القيادات الشابة في الحركة الأخوانية هذه الأيام دفع الجميع نحو المضامين التحذيرية التي وردت في خطاب الملك بمناسبة الأعياد الوطنية أمس الأول فالرسالة الأهم برأي النائب الدكتور ممدوح العبادي وجهت للشعب عندما تحدث النص الملكي صراحة عن عدم إحتكار أي تيار او فكر للإصلاح في إشارة تحاول منع الإسلاميين من {المزاودة} على المشروع الملكي الإصلاحي لدى الأوساط الشعبية.
ومناسبة التذكير قد تكون مرتبطة بالجدل المتحقق بعد إعلان توصيات لجنة الحوار الوطني برئاسة السياسي المخضرم طاهر المصري حيث رفض الإسلاميون توصيات اللجنة الإصلاحية مسبقا رغم انها صيغت بحضور مندوبين عنهم وعلى مقاس إرضائهم ولو نسبيا ,الأمر الذي يفسر العبارة التي قال فيها الملك عبدلله الثاني بأن سياسات ومقررات الإصلاح ينبغي ان لا تسترضي أحدا .
وقد شكل موقف الحركة الإسلامية من وثيقة لجنة الحوار صدمة للمصري وللجميع خصوصا وان بعض رموز النظام والموالاة من أشد خصوم الإسلاميين رفضوا من جانبهم توصيات اللجنة لإنها تقدم للأخوان المسلمين خدمات مجانية وتمنحهم حصصا إضافية كما يلاحظ العبادي.
ويعني ذلك ان حالة الخذلان التي شعر بها النظام من موقف المعارضة الإسلامية بعد مجاملتها في لجنة الحوار وتوصيات نصوص قانون الإنتخاب الجديد قد تكون السبب في بروز رسالتين مهمتين في الخطاب الملكي الأخير هما أولا تذكير الإسلاميين بأن الدولة لا تصيغ خططها على مقاسهم,وثانيا التقدم بجرعة دعم سياسية صريحة ومباشرة لتوصيات اللجنة التي قال الملك أن مشاريع الإصلاح ستنطلق بعد الأن منها.
.. هذه التداعيات قد يعقبها خطوات عملية إضافية في المشهد السياسي قد تصل لمستوى قولبة الحكومة من حيث المضمون والشكل والتركيب للإرتقاء لمستوى وثيقة الحوار الوطني التي يقال اليوم أنها ستصبح خطة تنفيذية بصرف النظر عن تخلي الأخوان المسلمين عنها.