ما حدث في الطفيلة اليوم خلال زيارة الملك إلى المحافظة هو سابقة تاريخية بمعنى الكلمة، ويعكس حجم الأزمة المكبوتة بين أجهزة الدولة المختلفة والشارع المحتقن.
بدايةً، ما يزال التعتيم سيد الموقف، وهنالك تضارب في المعلومات، لكن ما هو مؤكّد أنّ تراشقاً في الحجارة وقع بين أفراد من الدرك والحرس الملكي من جهة وأبناء الطفيلة من جهة أخرى، خلال مرور موكب الملك في المدينة.
الصدمة كانت في تصريحات مسؤول أمني (مجهول) لوكالات أنباء عالمية بأنّ موكب الملك تعرّض للضرب بالحجارة في الطفيلة، وأنه لم يصب بأذى. هذا التصريح إمّا أنّه من شخص غبي ومغفل، ولا يفهم شيئاًَ في الإعلام والسياسة أو أنّه من شخص خبيث يمهّد لتضخيم الحدث العفوي وإلقاء المسؤولية على الحراك الشبابي هناك، وكأننا أمام مؤامرة على الملك، وهذا أيضاً تفسير له أخطار أكبر وعدم قدرة على قراءة العواقب المترتبة عليه.
المفارقة أنّ ما حدث عكس ذلك تماماً إذ أنّ غضب الشباب واحتكاكهم بالأمن والدرك هو لأنّ الأجهزة المعنية منعتهم من الوصول إلى الملك وإلقاء همومهم بين يديه، وهو موقف ينم عن حب واحترام وليس العكس كما يشي تصريح المسؤول الغبي.
بالعودة إلى أحداث الزيارة، فإنّها تختزل المشهد السياسي، إذ أنّ القراءة الرسمية العاجزة عن إدراك ما يحدث في المحافظات والجنوب، ومحاولة إلصاق الغضب والاحتقان بأسباب تافهة، هذه القراءة هي المسؤول أولاً وأخيراً عما حدث.
هذه القراءة، بالمناسبة، ليست خاصة بالطفيلة، بل بأغلب الحراك السياسي الذي يحدث، إذ ما يزال المسؤولون لدينا يفكرون داخل الصندوق الخشبي القديم، وما زالوا لا يدركون أنّ المنطقة تغيرت بعد الثورات المصرية والتونسية، وأنّ استمرارهم على الطرق التقليدية في “حماية النظام” هو ما يؤذي الملك شخصياً والدولة والنظام.
هذه العقلية الرسمية المتحجرة المعوّقة هي من يتولى رسم الصورة للملك وكبار المسؤولين وتصوير كل ما يحدث وكأنّه ضمن حدود الصراع التقليدي مع الإسلاميين والمعارضين الآخرين، وهو ما حذّرت منه شخصياً، قبل يومين، وأعيد كتابة الفقرة التي غضب منها مسؤولون كبار، فقط لتبرئة الذمة، وهي من مقال على جدران بعنوان “مابدهم يفهموا” وقلت فيها “نتعلّم الدرس! فالتفسير الرسمي للحراك السياسي في المحافظات، وتحديداً الطفيلة، يذهب باتجاهين، الأول أنّه عملية التفاف تقوم بها القوى السياسية في عمان، لتحريك بعض المجموعات هناك! والثاني أنّ المسألة مرتبطة بالظروف الاقتصادية.
هذا التفسير إن كان هو ما يقود السياسات الرسمية ويحكمها في تعاملها مع الحراك السياسي الجديد، فنحن أمام كارثة حقيقية، إذ أنّ الخطأ في الفهم سيترتب عليه خطأ أكبر في أسلوب العلاج.
الأزمة بين الدولة والمحافظات هي أكبر بكثير من عمان والزرقاء وإربد، حيث كانت تتمركز الفعاليات قبل أن يتغير مركز الثقل، فهنالك – في المحافظات- يصعد منسوب الشعور بالتهميش السياسي والحرمان الاجتماعي وفشل المشاريع الفلكية التي سوقوّها على الناس خلال السنوات الماضية بأنّها ستوفر آلاف فرص العمل وتحل المشكلة التنموية في الجنوب، حتى اكتشف الناس حجم السراب والوهم..”.
لم يفت الآوان ما حدث في الطفيلة لا يتمناه أي إنسان يحب الأردن، وكل ما نأمله أن نجد في الدولة عقلاء وحكماء يدركون حجم الخلل وضرورة تفهم هموم الناس، والحوار معهم ونزع فتيل أزمة مقبلة ستكون خطرة جداً لا تذكر معها أحداث الـ89 بشيء!
حمى الله الطفيلة وشبابها وأبناءها، والأردن والجميع
جدران ابو رمان