حدد خطاب الملك الموقف من الإصلاح، والمسار الذي ينبغي أن تذهب إليه معادلة الحكم والسياسة في البلد. ولن يقبل الملك بخلق الأعذار، وقد قال بذلك أكثر من مرة حين كان يتم تأخير تطبيق الأفكار. ومع ذلك، أطلق الملك من جديد عملية الإصلاح، وجعله خيارا للوطن وليس اجتهادا أو رؤية لفئة بعينها.
لذلك، وصف الإصلاح في الأردن بأنه عنيد. ومع أن الملك عبر في أيار (مايو) 2009 عن إدراكه لوجود قوى تضغط ضد تحقيق إصلاح حقيقي، إلا أنه مضى في ممارسة دفع عجلة الإصلاح، وبدا جليا في تكليفه لحكومة سمير الرفاعي ومن بعده معروف البخيت أهمية إيجاد جدول زمني لإنجاز متطلبات الإصلاح لأردن المستقبل.
في خطاب الملك جاء الشعور بأعلى مستويات الإدراك لخلق حالة ديمقراطية تقوم على رؤية العدل وحقوق الإنسان والتمثيل الحقيقي للناس، بما يمثل كل الناس تحت سقف الحرية التي لا تمس.
كانت التقارير الغربية منذ العام 2007 تتحدث عن مدى قناعة النظام السياسي بجدوى الإصلاح في الأردن، وأذكر أن الملك تحدث في الخامس من أيار (مايو) 2009 بقوله: "أتينا بالإصلاح من فوق ومن تحت.. واحترنا..". ولم يقف الملك عند ذلك الموقف، بل سعى إلى المضي والتجديد في حقول الإصلاح السياسي، فجعل الإصلاح أولوية مباشرة، وقد أكد في خطابه على ذلك المسار الإصلاحي الذي بدأه منذ توليه الحكم، مع التركيز على أن الإصلاح خيار النظام والمجتمع معا، وأن الإصلاح الحقيقي هو الذي يستجيب لمطالب الناس جميعهم من دون غلبة لرأي على آخر، مع ما يلزم الإصلاح من الشعور بالقناعة بالوطن على اختلاف الأصل والمنبت.
حديث ملكي عن مساواة، مقياس الفضل فيها بين الناس هو العطاء للوطن، الذي يقوم على نظام نيابي ملكي، مع التركيز على الفصل بين السلطات، بما يقود إلى حكومات حزبية تمهد لها تعديلات دستورية ملائمة تمر عبر القنوات اللازمة لإنجازها.
وفي الخطاب، تأكيد أن الإصلاح لم يعد احتكارا لجهة أو حكومة بعينها، وإنما حدد الخطاب انطلاقة الإصلاح بتشكيل لجنة الحوار الوطني وانتهائها بمخرجات توافقية تمهد الطريق لإطلاق عملية الإصلاح من جديد في إطار من التعددية والإيمان بالديمقراطية التعددية.
والإصلاح ونهجه في خطاب الملك ليس فيه استرضاء لجهة ما، لكنه استجابة وإدراك لأهمية استقلال القرار والرؤية الإصلاحية، المحصنة بكل الرؤى الوطنية المؤمنة به، وهو إصلاح شامل في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو مقرون بمحاربة جادة للفساد ودور أكثر عقلانية وموضوعية لإعلام وطني ينهض بالحرية.
الخطاب الملكي جاء بمراجعة لدور كافة المؤسسات، وحدد الأولويات، وأكد على ضرورة ربط كل المخرجات بمؤسسات القرار، وأوضح خريطة الطريق للأردن الذي نريده جميعا، الأردن المحصن بالوعي والحرية والكرامة والمواطنة.