عندما تقرر مجموعة من بعض مدن محافظات الجنوب، في الكرك أو الطفيلة أو ذيبان، تنظيم مسيرة سلمية تعبر من خلالها عن رأي سياسي، أو تطالب بإنصاف أو إزالة التهميش، أو حتى المطالبة برحيل الحكومة، فإن هذا تحرك مشروع ومفهوم لفئة سياسية أو مجموعة من الناس في جزء من الجغرافيا الأردنية. ومن يعرف تركيبة أهل الجنوب، يدرك أنه أمام تركيبة تجد فيها أقصى مراحل ومستويات الولاء والارتباط بالدولة، وأيضا لديها حرارة في التعبير تصل أحيانا إلى حد القسوة، لكنها قسوة الصدق وليس غير ذلك.
وما يخرج في مسيرات الجنوب عناوين لا خلاف على معظمها، من محاربة للفساد ومطالبة بالإصلاح. وحتى عندما تقرأ مطالب أهل ذيبان، فإنها مطلبية في معظمها، ومنها بناء مستشفى عسكري، وإعادة أبناء اللواء المفصولين من الجامعات على خلفية مشاجرات إلى جامعاتهم، وقضية الوظائف العليا؛ وهي مطالب قالها أبناء اللواء وغيره من الألوية أمام الملك في زياراته التفقدية.
ليست المشكلة في وجود مسيرات في بعض مدن الجنوب تنظمها بعض القوى السياسية أو الفاعليات الشعبية من أحزاب وشخصيات، لكن المشكلة فيمن يحاول من خارج الجنوب أن يحول الجنوب إلى ورقة سياسية له، والمشكلة فيمن يتباكى على تهميش الجنوب وفقره، أو يحاول مناداة الناس هناك من خلال مصطلحات لبعث الحماسة، مثل "أحرار الجنوب" وغيرها، والهدف محاولة تحويل الجنوب إلى مركز مواجهة مع الدولة، وأن تكون مدن الجنوب هي مركز ثقل في تحرك فشل البعض أن يصنعه في عمان، وفي ذهن هؤلاء محطات تاريخية يريدون تكرارها، وهم من تخلوا عن الجنوب في حينها.
أهل الجنوب مثل كل الأردنيين، أحرار وكرام. ومدن الجنوب مثل أي مدينة فيها أحزاب وحزبيون يقومون بتنظيم مسيرات. ومن حق أي فئة أن تعبر عن رأيها، وإن أعلنت عن نفسها من خلال حزبها، وحتى إذا ظهرت من خلال بعض الأسماء الجديدة التي هي أسماء حركية لأحزاب موجودة، لكنها محاولة لإعطاء زخم لأي مسيرة بأنها تمثل كل الجماهير.
لا خلاف أن أهل الجنوب يشعرون بالغبن التنموي، ولديهم مشكلات على صعيد الفقر والبطالة، لكنهم ليسوا ملفا يركب عليه أي طرف سياسي. ولديهم أيضا وجهة نظر سياسية فيما يجري، لكن علينا أن نسمي الأمور بأسمائها. ولنقل إن مسيرة نظمها الحزب الفلاني خرجت، من دون محاولة من أحد لرسم مشهد غير حقيقي ولتقديم الجنوب وكأنه مركز المواجهة مع الدولة والنظام، أو لتعويض فشل بعض القوى في إخراج الشارع في عمان وغيرها، لتقول إن الجنوب قد خرج وهو الذي سينجز ما كان في خيال البعض قبل شهور.
نحن في بلد صغير، وعندما تخرج أي مسيرة في أي مكان فمن السهل أن نعرف من هم منظموها، بغض النظر عن الأسماء الحركية. ولهذا، فلا ضرورة لبعض القوى خارج الجنوب أن تحاول استغلال أي مسيرة هناك لتكون ورقة سياسية لها. أما الجهات المسؤولة، فإنها مطالبة بأن تقترب من الناس، فلماذا لا يزور فريق وزاري أو حتى الرئيس أهل ذيبان ويستمع منهم ويلبي أي طلبات ممكنة، بدل أن نترك الباب أمام شعور لدى مدينة طيبة بمزيد من الإهمال؟