بسمة النسور
ثمّة أم حكيمة اعتادت تقديم وجبات كاملة، من دون أن تغفل الحلوى والفاكهة، لأولادها الصغار الأشقياء المتقافزين انفعالاً وبهجةً بفرصة الخروج، قبل اصطحابهم لتلبية أي دعوةٍ على طعام عند أقارب أو أصدقاء، بغية تعويدهم على التصرّف بأدبٍ ولباقة وأناقةٍ ورفعةٍ واستغناءٍ في مواجهة مغريات أطباق الداعين المتنوعة والمثيرة للشهية وللتصرف الأرعن بالضرورة. لطالما ردّدت هذه الأم الجميلة على مسامعهم، وفي كل مناسبة، وفي صياغات مختلفة، مقولة عز نفسك تجدها، وكذلك الحجر مطرحه قنطار، إذا اعترى أياً منهم إحساسٌ بالخسارة أو الغيرة من الآخرين، أو النقمة حال فقدان شيء ما. لم تكن السيدة الحكيمة ثريةً إلا بمقدار اعتدادها بنفسها وقدرتها على الزهد والاستغناء ولم تكن متعاليةً، إلا على أحزانها ونقاط ضعفها ومخاوفها وقلقها من الغد الذي قد يوقعها في شرك الحاجة لأحد، وهذا أسوأ كوابيسه. وهذا ما جعل منها امرأة استثنائية، لا تتحدّث كثيراً.
الأهم من ذلك كله، عرفت دائما سيدةً قليلة الكلام، تنفر من الهذر والثرثرة الفائضة والمفردات غير اللائقة التي يتسخدمها الآخرون ببساطة. وغالباً ما رمقت أولادها بنظرة تأنيبٍ، إذا ما صدر منهم كلامٌ سفيه غير مدروس، يؤثر على صورتهم التي أرادتها دائماً لائقةً. تمكّنت، بذكائها الفطري، وحراكها اليومي كأم متفانية، وبأقل المفردات الممكنة من بث هذه المزايا الفريدة في شخصيات أولادها، وذلك في نطاق تعزيز إحساسهم بالكرامة والنخوة واحترام الذات، لقناعتها بأن من يخرج من بيت ذويه جائعاً غير متحقق نفسياً، محروماً من إحساس المحبة والاحترام والإقرار بين جدران بيته الأول، فإنه لن يشبع طوال حياته، سيظل شرهاً جائعاً إلى كل شيء. بالدارجة نقول "تظل عينه فارغة"، يشعر بالنقص تجاه الآخرين، وانعدام سافر في الثقة بالنفس المهزوزة أصلاً، وسوف يكون أداؤه في الحياة مؤذياً، لا يخلو من حسٍّ انتقامي، ورغبة دفينة في إلحاق الأذى بالآخرين، مبتذلاً متهافتاً سوقياً، لا يخلو من قلة تهذيب.
بالفعل، أصابت هذه السيدة التي لم تقرأ حرفاً واحداً في أصول التربية، من خلال دروسها الأخلاقية الصغيرة، إذ نشأ أولادها بشهادة الجميع نماذج إنسانية مشرفة بنفوس عزيزة أبيّة تحترم ذاتها، فيحترمها الآخرون، مستغنين بالكامل عمّا يتهافت من أجله الكثيرون، ما جعلهم دوماً موضع إعجاب وتقدير، أينما حلوا، يتميّزون بالثراء الداخلي، غير المعزّز بأرصدة بنكية، لن تضيف إلى جوّهم الأصيل شيئاً، وسط حالة تهافتٍ جمعيةٍ شرسةٍ نلمسها في كل ازدحام، تتجلى فيها مظاهر أنانية وطمع جشع ورغبة في الاستحواذ وتحقيق المكاسب، مهما صغر شأنها، ولو كان ذلك على مستوى إثبات الحضور البائس في جلسةٍ صغيرة، تجدهم يحاولون الاستئثار بالحديث، ومصادرة حق الآخرين في إبداء الرأي أو حتى النحنحة. استعراض معرفي هزيل يؤكد حالة الجهل وانعدام مهارات التواصل الاجتماعي الذي يشبه لعبة البونغ بونغ، حيث كرة الحديث الصغيرة تتحرّك برشاقةٍ وحيويةٍ بين لاعبيْن، يتقن كل منهما الاستماع باحترام ورغبة في الاستفادة من معارف الآخر وخبراته، من دون الإحساس بضرورة إثبات صحة وجهة النظر، لاعتقادهم الواهم أنها ثاقبة، عنوة.
ثمّة نماذج شوهاء من البشر مزعجة منفّرة، تعتبر أي تجمع إنساني حلبة سباق ما يظهر عدوانيةً دفينةً في نفوسهم وإحساساً تنافسياً بائساً، ليس له ما يبرّره سوى حقيقة أن هذا المتنافس المثير للشفقة لم يتحقق صغيراً، وما زال في حالة الجوع والشراهة نفسها التي تدفع الصغار إلى تصرفاتٍ تحرج الأهل في أحيانٍ كثيرة.
الأهم من ذلك كله، عرفت دائما سيدةً قليلة الكلام، تنفر من الهذر والثرثرة الفائضة والمفردات غير اللائقة التي يتسخدمها الآخرون ببساطة. وغالباً ما رمقت أولادها بنظرة تأنيبٍ، إذا ما صدر منهم كلامٌ سفيه غير مدروس، يؤثر على صورتهم التي أرادتها دائماً لائقةً. تمكّنت، بذكائها الفطري، وحراكها اليومي كأم متفانية، وبأقل المفردات الممكنة من بث هذه المزايا الفريدة في شخصيات أولادها، وذلك في نطاق تعزيز إحساسهم بالكرامة والنخوة واحترام الذات، لقناعتها بأن من يخرج من بيت ذويه جائعاً غير متحقق نفسياً، محروماً من إحساس المحبة والاحترام والإقرار بين جدران بيته الأول، فإنه لن يشبع طوال حياته، سيظل شرهاً جائعاً إلى كل شيء. بالدارجة نقول "تظل عينه فارغة"، يشعر بالنقص تجاه الآخرين، وانعدام سافر في الثقة بالنفس المهزوزة أصلاً، وسوف يكون أداؤه في الحياة مؤذياً، لا يخلو من حسٍّ انتقامي، ورغبة دفينة في إلحاق الأذى بالآخرين، مبتذلاً متهافتاً سوقياً، لا يخلو من قلة تهذيب.
بالفعل، أصابت هذه السيدة التي لم تقرأ حرفاً واحداً في أصول التربية، من خلال دروسها الأخلاقية الصغيرة، إذ نشأ أولادها بشهادة الجميع نماذج إنسانية مشرفة بنفوس عزيزة أبيّة تحترم ذاتها، فيحترمها الآخرون، مستغنين بالكامل عمّا يتهافت من أجله الكثيرون، ما جعلهم دوماً موضع إعجاب وتقدير، أينما حلوا، يتميّزون بالثراء الداخلي، غير المعزّز بأرصدة بنكية، لن تضيف إلى جوّهم الأصيل شيئاً، وسط حالة تهافتٍ جمعيةٍ شرسةٍ نلمسها في كل ازدحام، تتجلى فيها مظاهر أنانية وطمع جشع ورغبة في الاستحواذ وتحقيق المكاسب، مهما صغر شأنها، ولو كان ذلك على مستوى إثبات الحضور البائس في جلسةٍ صغيرة، تجدهم يحاولون الاستئثار بالحديث، ومصادرة حق الآخرين في إبداء الرأي أو حتى النحنحة. استعراض معرفي هزيل يؤكد حالة الجهل وانعدام مهارات التواصل الاجتماعي الذي يشبه لعبة البونغ بونغ، حيث كرة الحديث الصغيرة تتحرّك برشاقةٍ وحيويةٍ بين لاعبيْن، يتقن كل منهما الاستماع باحترام ورغبة في الاستفادة من معارف الآخر وخبراته، من دون الإحساس بضرورة إثبات صحة وجهة النظر، لاعتقادهم الواهم أنها ثاقبة، عنوة.
ثمّة نماذج شوهاء من البشر مزعجة منفّرة، تعتبر أي تجمع إنساني حلبة سباق ما يظهر عدوانيةً دفينةً في نفوسهم وإحساساً تنافسياً بائساً، ليس له ما يبرّره سوى حقيقة أن هذا المتنافس المثير للشفقة لم يتحقق صغيراً، وما زال في حالة الجوع والشراهة نفسها التي تدفع الصغار إلى تصرفاتٍ تحرج الأهل في أحيانٍ كثيرة.