انتهت أحداث الجامعة الأردنية الأخيرة وبدأ يخبوا الاهتمام بها او لعله تلاشى بالفعل ، ونحن الآن بانتظار عنف جامعي جديد بغض النظر عما سيصدر من عقوبات. المعركة الطاحنة التي دارت رحاها في الحرم الجامعي كانت معركة روتينية اعتيادية جرت في سياقها الطبيعي المتكرر منذ سنوات طويلة.
يجب الاعتراف بمتلازمة عنف الجامعات النشط كجزء من عاده تراثية ممتدة قادمة من رحاب عوائد الاشتباك المجتمعي المدمر ، الذي يؤدي كل عام الى الموت والحرق والتخريب وتشريد عائلات بريئة ، ونزوحها عن بيوتها تنفيذا لما يسمى بالجلوة العشائرية .
بكل أسف لقد اعتادت جامعاتنا على تجميع طلابها جمع تكسير ان -جاز التعبير- وأخفقت في نزع ما صدورهم من غل ،وليس في أحداث الأسبوع الماضي ما يدعو للغرابة والاستهجان طالما انه عنف شمولي غزير لم تسلم منه جامعة ، وستمضي سحابة الواقعة قريبا وستعود ، وستنقشع غيوم التنديد والتهديد سريعا وستعود، سيندلع الشجار مجددا فى هذه الجامعة او تلك مرات ومرات ، وسيعود التنديد وينتهي ويعود وينتهي على هذا الحال والمنوال منتقلا من جيل جامعي الى الجيل الذي يليه .
الأحداث الأخيرة فلكلورية متجددة وليست طارئة ،وتسير برتابة وانتظام على ذات النمط والنسق التناسلي ، من حيث تفاهة الأسباب وبرودة العقاب وميوعة أدوات الردع ،وارتخاء الإرادة في وضع حلول عملية جادة .
ظاهرة العنف في المجتمع الأردني ظاهرة مساهمة عامة ، والأردنيون هنا شجعان ، ويجيدون قواعد الاشتباك، وعلى أهبة الاستعداد للعراك ، وقد وفروا مستلزمات العنف من الرشاشات والمسدسات والخناجر والهروات وهي جاهزه للاستخدام السريع و مصانة جيدا ، ويعتبرونها جزأ عزيزا من الأساسيات وتحتل مساحات رئيسية واسعة في أركان البيت.
خلايا العنف المجتمعي نائمة يوقظها التعرض لأدنى مثير ، وقادحها هذه الأيام الجامعات، وقد لا نبالغ إذا ما قلنا ان للعنف مراسمه وطقوسه الخاصة ، بل وقواعد ومبادئ أيضا ،ترتبط بمعايير ثقافية وقيم سلوكية لها تأثيراتها على تحديد الاتجاهات العقلية ، وكانت السبب وراء فشل توصيات اللجان العديدة التي شكلت لدراسة الظاهرة ووضع الحلول الناجعة لها ، وكانت إحداها لجنة وزارية عليا شكلت قبل سنوات لم تتقدم بأية حلول مفيدة وها هي المشكلة كما نرى اليوم ترواح مكانها .
سيتكرر فشل كل الجهود الوطنية لمكافحة عنف الجامعات إذا جرت بمعزل عن مكافحة العنف المجتمعي العام ،فهما وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما .