أمس جاءتني بنت الجيران ، فتاة تتشارك بعمرها مع الزهور ، وتتناوب مع القمر عند غيابه ، قالت لي وأنا كالكسير والمصاوب والجريح عندما اجتاحتني ألوية الجدائل: "عمو معلش تكتبلي موضوع تعبير"؟! .
سألتها بخوف الأسير المأسور بالأهداب من صرامة السجان : عن ماذا ؟!
فقالت لي : عن أهم صادرات الوطن العربي.
لم تربكني كلمة عمو ، ولم تربكني الشيبات اللاتي نبتن على أطراف الرأس ، كما لم يربكني وميض عيونها كلما نظرت إليها ، بقدر ما أربكني الموضوع.
ترى ماذا سأكتب إليك يا صغيرتي ، وأهم صادراتنا العربية هو الحزن ، كيف ستفهمين وأنت شعلة من الفرح، بأن أكثر شيء صدرناه من مئة عام هو الحزن ، نحن أساسا ننتجه بكميات هائلة ومخزوننا منه لا ينضب.
يا صغيرتي ... نحن نصدر الحزن والخوف والوهن لكل مكان وفي كل زمان ، هل ترين كل هذا الحزن المنثور في كل البقاع ... وفي الوجوه وفي العيون وحتى على الملامح والثياب ، نحن من نصدره ... ونصدر كذلك اللجوء والبشر ... خذي مثلا فلسطين كعينة .. وخذي العراق ... وخذي الشام. وما أصعب الحزن الذي يصنعه اللجوء.
يا حبيبتي .... الوطن العربي لا يصدر شيئا سوى الحزن واللجوء ، فلا تصدقي ما تقرئيه في الكتب أو تسمعيه في نشرات الأخبار ، عن الثروات والمعادن والنفط والخضار ... ألخ ، كلها مختومة بليبل الحزن وموسومة بشعار الحزن ومدفوعة بضريبة اللجوء، ومردودها لا يعود على أمثالنا إلا بالحزن وكسرة الخاطر.
آه يا صغيرتي ... ما أصعب أن نكتشف بأن أهم صادراتنا العربية ليست إلا حزنا ولجوء ... وأننا لا نقوى على تصدير قطعة واحدة ... واحدة فقط ... من الفرح.
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com