في الوقت الذي يطالعنا فيه تقرير ديوان المحاسبة لعام 2015 بتجاوزات مخجلة، تقوم بعض الجهات بالاعتداء على أرزاق الناس، وتقذف بهم إلى المجهول، الذي بات معلوما حين نتحدث عن بلد تجاوز كل التحديات وأغلق كل الطرق المؤدية للفوضى، بفضل وعي مواطنيه وحكمة وحنكة وتقدمية وإنسانية صانعي قراره، وهو الوقت ذاته الذي يعبر فيه كل مواطن تقريبا عن عدم رضاه على الوضع الاقتصادي، ويتحفظ على كثير من الاداءات السياسية الرسمية والخاصة، لتطل علينا من جديد، قضايا تتخذ صفة قضايا رأي عام بسرعة، لأنها على مساس مباشر بما يدور في خلد كل مواطن حول مستقبل بيته وأهله وقوت يومه والتزاماته الرئيسة وعيشه في بلده بكرامة.
لا ندعي بأن الحكومة تحمل أجندة تستهدف الناس، بل على العكس تماما، فهي تبذل ما بوسعها لتصويب أخطاء سابقة، وتحاول البحث عن سبل جديدة لخلق مزيد من الفرص للناس وتخفف من أعباء حيواتهم اليومية، علما أنها لا يمكنها وحدها أن تفعل شيئا بمعزل عن السلطات الأخرى، ودون شراكات حقيقية مع القطاع الخاص.. لكن موقف الحكومة غير واضح تجاه بعض مسؤولي التأزيم، سواء أكانوا رسميين أم غير ذلك.
فصل أكثر من 300 عامل؛ وإلقاؤهم على قارعة المجهول تصرف قد يشكل جدلا قانونيا في غير الظروف التي نعيش، لكنه يرتقي إلى مستوى «جريمة» بشعة بحق البلاد والعباد حين يحدث في مثل هذه الايام، دون أن يكون الموقف الرسمي واضحا بل دون أن ينحاز بلا تردد تجاه الفقراء والعمال المفصولين عن عملهم، وهذا ما لمسناه من خلال ما بثته القناة الفضائية الأردنية الرسمية أمس الأول في نشرة أخبار الثامنة، حول مشادات نيابية «أعتبرها ديمقراطية جدا» تحت القبة، ، وكانت تدور حول قضية فصل هؤلاء العمال من شركة الأبيض للأسمدة والكيماويات الأردنية، وأوردت الدستور الخبر في عددها أمس مع بعض التفاصيل المتعلقة باعتصام نفذه المتضررون، وهو الذي ظهر على شاشة التلفزيون الأردني، حين تحدث النائب خالد الفناطسة بأن «سنتوجه إلى مخيم الزعتري فهناك ثمة طعام لأبناء هؤلاء الناس».. حيث اعتصم أطفالهم حاملين أطباقا حديدية فارغة وملاعق ضربوا بعضها ببعض، فخرج لحن موجع ينذر بخطر الجوع وارتفاع عقيرة مرددي مواله الحزين المؤلم..جنبنا الله وإياكم شره وشر صانعيه فهم لا يريدون للبلاد خيرا بهذه الصناعة.
كيف يفعلها مسؤول في مثل هذه الظروف؟.. يقوم بإلقاء عائلة أو عائلات إلى المجهول بحجج وذرائع تثبت بأنه يعيش في جزيرة معزولة،،، فيتصرف وكأنه يدير مزرعة خاصة بقوانين متوحشة، وأن لا حقوق للناس ولا كرامة، ولا أتحدث هنا فقط عن قضية العمال المذكورين، بل لدي أكثر من قصة حدثت هذا العام، قام فيها مسؤولون رسميون وغيرهم بالاستغناء عن خدمات موظفين رسميين وغيرهم، متجاوزين عن الحقوق وعن التحديات المتعاظمة الناجمة عن مثل هذه الطرق في إدارة الشأن العام..
قوت الناس؛ خبزهم، وكرامتهم، وتعليم أطفالهم وستر عوراتهم، ودوائهم، هي آخر ما تبقى من رصيد للناس، يدعون ربهم بأن يبارك لهم فيه ويحفظ عليهم هذه النعمة، ويحفظ الوطن، ولا يساوم أحدهم أو يناقش حول هذه القضايا اليومية التي لا يمكنه الاستغناء عنها، ولعل أخطر عدو للدولة الأردنية وأمنها، هو مسؤول «يتغابى»، ويتصرف بمعزل عن حقيقة قداسة هذه القضايا في حياة المواطنين، ثم يتذرع بالقانون والقضاء الخ الحكاية الملفقة..
لا نريد التحدث بمزيد، لكننا نلفت عناية الحكومة والنواب والاعلام إلى أن الصمت عن مثل هذه التجاوزات هو تآمر على استقرار وأمن هذا الوطن، الذي بذل الأردنيون كل شيء وتحملوا كل الصبر ليبقى وطنا آمنا، يبني مستقبله ويبذل المستحيل ليخرج من الأزمات والتحديات قويا معافى..
لا مجال للتعامي ولا للتجريب.. فاحموا البلاد ولا تتحملوا وزر الفوضى التي اشتعلت وأحرقت بلدان، بسبب خبز مواطن واحد فيها وكرامته.
اللهم احم الأردن من أخطاء أبنائه.
ibqaisi@gmail.com
قطع الأرزاق والأعناق ..
أخبار البلد -