ابرز وسائل الترويج وأنجحها هي الدعاية العكسية وابرز دعاية هي المنع او الحظر، وخاصة في المسائل السياسية والقضايا الشعبية او التي تحظى باهتمام شعبي، فكل ممنوع مرغوب، وسقطت نظرية الحجب او المنع إستراتيجيا بعد انفتاح الكون وتحوله الى حارة صغيرة، فما تمنعه جهة محلية يجد طريقه الى الانتشار على مساحات الافتراض ومساحات الشبكة العنكبوتية المتاحة لكل راغب من مالكي اشتراك الانترنت، وقد حدد القانون الاردني مساحات الحظر او منع النشر، فقضايا التحقيق سرية والمحاكمات علنية ما لم يرد قرار قضائي بحظر النشر او سرّية الجلسات، ولعل الزميل محمد قطيشات رئيس هيئة الاعلام الحالي ابرز الخبراء في هذا المضمار واكثرهم فهما لهذه المسألة وسبق له ان قام بمئات الورشات التدريبية على تمكين الصحفيين قانونيا وتزويدهم بالمعارف والمهارات بهذا المضمار .
مؤخرا شهد الفضاء الاعلامي الاردني توسعا في حظر النشر بعد ان لجأت التيارات المتصارعة والاجنحة المتصادمة الى حرب التسريبات وبدل معالجة الاسباب لجأت دوائر صنع القرار الى معالجة النتائج بطريقة مقلوبة وغير منتجة على الاطلاق كما اثبتت التجارب والمواد المنشورة خارج الجغرافيا الاردنية، بل ان الاقبال على وسائل الاعلام الخارجية ارتفع بسبب نشرها للقضايا المحظورة مما شكل ويشكل خطرا استراتيجيا على الرأي العام الاردني الذي بات متابعا لما ينشر في وسائل اعلام غير بريئة المقاصد والاهداف وانتجت نجوما من ورق يستأسدون على اللحظة الوطنية بالنشر خارج الجغرافيا وباتوا مقصدا للراغبين بالتسريب والنشر ومارسوا بالموازاة نشر تسريبات وتحليلات تقطر سمّا وغلّا بسبب تفردهم بالنشر .
لا نعاني في الاردن من ازمة رخاوة في الحفاظ على الدولة وتمكين السلطات من ممارسة دورها بأمانة وبأس، ولا تهزّنا كوطن ومجتمع حدوث اختلال في هذا الموقع او ذاك فالاجماع الوطني على الحفاظ على الدولة وسلامة المجتمع قائم بصلابة ونجاعة انجتنا من كل عواصف الاقليم، وكل المحظور نشره، يعلمه المجتمع وتتداوله السنة الاردنيين في الافراح والاتراح، بل ويعلمون ما هو اكثر مما تتداوله وسائل الاعلام وصفحات المواقع الافتراضية، وحظر النشر يزيد من حجم التخيل ويمنح فرصة لكل راغب بالاضافة والزيادة بممارسة عمله دون رأي مضاد او معلومة حقيقية، والاخطر من كل ذلك انه يجعل الاعلام الاردني خارج دائرة المتابعة ويزيد من عزلته واوجاعه، فهو يعاني مثل باقي قطاعات الدولة من ازمة اقتصادية وازمة انسيابية المعلومات ومن يملكها بعلاقاته او من مصادره سيدفعها الى الاعلام الخارجي ليحقق مزيدا من التفوق على الاعلام الوطني، الذي يعاني من ازمة "الفرنجي برنجي” اساسا .
في ابرز تجليات الكاتب الانجليزي ويليام شكسبير، ثمة حكمة تحثّ على ضرورة ان يفتح الانسان عينيه ليرى المناظر المؤلمة والمخيفة، لأن اغماض العين يجعل الخيال يرسم مشاهد اكثر ايلاما من الواقع رغم ايلامه، وهذا ينطبق على الحالة الاعلامية بوضوح شديد، فكل منع سيتلوه رسم خيالي للحادثة تفوق في ايلامها واوجاعها من ايلام واوجاع الحالة نفسها، ويجعل مترزقي التمويل الاجنبي ودوائر المنظمات الاجنبية تجد ما توخزنا به، والاهم ان القرار لا يخدم اسبابه الموجبة، فالمعلومات ستنساب على المواقع الخارجية والصحف المهاجرة طوعا واسترزاقا وسيحقق لها المتابعة المطلوبة لمزيد من الاسترزاق على ظهورنا، ونحن لسنا مجتمعا رخوا رغم كل ما بنا من علل ولسنا جمهورية موز مسلوبة الارادة .
حظر النشر مسألة تجاوزتها الحالة الكونية بمجملها، والأصل ان نبحث عن معالجة أسباب الازمة المتصاعدة في مجتمعنا وخاصة ظاهرة تجنح بعض المسؤولين واعتمادهم اساليب رخيصة في الخصومة السياسية او المناصبية والاجدى من كل ذلك ان نفعّل مفهوم المحاسبة للمسؤول دون محاباة او خجل، فالدولة يجب ان تصوب اختلالات رجالها وتحاسبهم كما كافأتهم بالمواقع والمناصب وليس التستر على الأخطاء والخطايا.