ذات لقاء تلفزيوني قال النائب خالد بكار، ان هناك دراسة تثبت ان الحكومات تستجيب اكثر لطلبات النواب الذين يحجبون الثقة، او الذين يشوشون عليها، رغبة في التخفيف من حدة هؤلاء.
النائب يقول هذا الكلام، ردا على ما اعتبرته انا خلال اللقاء، من تناقض سياسي في الاردن، فالناس يريدون نائبا شجاعا، يقول كلمته ويؤثر على القرار، وفي الوقت نفسه يريدون منه تمرير طلباتهم، معتبرا من جهتي ان هذا مستحيل فالحكومات تعاقب من يعارضها، ولا تلبي طلباته، وهو يعتقد عكس كلامي تماما، مستندا الى دراسة، لم يسم مصدرها.
واقع الحال معقد، فأغلب الناس ينتظرون نوابا من نوع آخر، نواب يمارسون الرقابة والتشريع، ولا يتعرضون لضغط الحكومات، وأغلب الذين يفترضون هذا الافتراض لا يذهبون الى صناديق الاقتراع، بل يغيبون بكل سلبية، باعتبار ان كل الانتخابات مجرد تمثيلية، فيما من يريدون نوابا بمعنى التعبير عن النفوذ الاجتماعي، ومن اجل تلبية طلبات الدائرة الانتخابية، او طلبات الافراد، يهرولون سريعا الى صناديق الانتخاب!!.
هذه قاعدة عامة، ولكن هذا لا يمنع من وجود استثناءات، فأغلب النواب الذين يحجبون الثقة عموما عن الحكومات، يتوقعون صدا حكوميا ناعما، ازاء طلبات كثيرة، ولا ينقض هذا الكلام، الا ما قاله النائب في حوارنا التلفزيوني، من حيث فصله بين حجب النائب، وحدته، من جهة، وقدرته على تأمين طلبات دائرته او مظالم الاشخاص، وبرغم كل هذا وجدنا عددا لا بأس به، حجب الثقة عن الحكومة الحالية، دون ان يتورط في المخاوف من كلفة الحجب، في علاقته مع الحكومة.
ما يراد قوله هنا، ان دليل العافية في حياتنا السياسية، يكون في ذلك اليوم، الذي يتمكن فيه النائب من ممارسة دوره دون ان يدفع الثمن عبر صد الحكومات له في قضايا كثيرة، ولا عبر محاولات استرضائه او استقطابه بهذه الطريقة، لاننا اذا افترضنا ايضا صحة كلام النائب خالد بكار فهذا يعني ان الحكومات لا تمارس الحياد، بقدر محاولة استرضاء الغاضبين، والتخفيف من حدتهم، وربما هو حقها السياسي، شريطة ان لا يكون خاضعا للهوى، ولفكرة شراء الذمم.
هذا يقودنا الى الخلاصة، اي ضرورة تخليص النواب من الخضوع لطلبات دوائرهم ومن فيها، وتخليص الحكومات ايضا، من مخاوفها من ثقل اداء بعض النواب فتضطر ان تسترضيهم، وبدون ذلك، نواجه تشوها في حياتنا السياسية، فلا الحكومات تفهم دورها، ولا النواب لديهم القدرة على ممارسة دورهم وفقا لتوصيفه الوظيفي، ولا اغلب الشكائين من اداء النواب لديهم الاستعداد للذهاب الى الانتخابات وتغيير الواقع الصعب.
ثم ان كل قصة الاستدعاءات في حياتنا السياسية، دليل على المظالم، وان العقلية العثمانية القديمة التي ما زالت تدير المشهد، فلماذا يضطر الانسان اساسا الى كتابة استدعاء، ويبحث عن نائب، من اجل انتزاع موافقة حكومية، فهذا مشهد يفيض بالاختلالات على كل المستويات، ويمتد الى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتداخل العلاقة بينهما، خصوصا، على صعيد التوصيف الوظيفي لكل سلطة.