على طريقة مؤتمرات وأفلام ولجان معمر القذافي الثورية ، ووسائل حزب حسني مبارك الوطنية ، وأدوات زين العابدين بن علي الديمقراطية ، ونتائج تصويت حزب علي عبد الله صالح الشعبية ، هتف الفتحاويون لرئيسهم " بالروح بالدم نفديك ياريس " بشكل لا يمت بصلة لتقاليد فتح ومؤتمراتها ، ولتراث المؤسس أبوعمار ورفاقه أبو جهاد ومعهم أبو إياد والذين رحلوا ، شركاء النضال والثورة والتضحيات ، وإن تم ذكرهم فذلك توظيفاً وإستعمالاً لتمرير السائد ، وللتغيير المطلوب ، فالذي جنى ثمار المؤسسين ، هم من إستكانوا وتغيروا ، ولم يعد لهم صلة بالبدايات سوى كلمات بلا محتوى ، وإجراءات بلا مضمون ، وغطاء لما هم فيه من عجز وفشل وإمتيازات .
ولأنه على طريقتهم ، فقد أعلن رفضه وعدائه لثورة الربيع العربي ، لأنها بكل بساطة أطاحت بأقرانه من الرؤساء الذين كانوا من اللون الواحد ، والصوت الواحد ، والقائد الفذ ، والزعيم الأوحد ، وهو على شاكلتهم ، لا يقبل الشراكة ، ولا يستجيب للنصيحة فهو العبقري وحده ، والأخرين دون المستوى ، وهو أبو الثورة ، وقيادات الفصائل الذين يجلسون أمامه كالتلاميذ أمام المعلم ، يرفضون الأنتفاضة المدنية السلمية التي يدعو لها ، وهم ، هُم الذين يقفون في طريقها ولا يستجيبون لنداءاته ، فهم الذين يمنعون طلبة جامعة بير زيت لقذف الحجارة على جنود الإحتلال ، وهم الذين يتبرعون لوضع تنظيماتهم في مواجهة إحتجاجات اليسار الفلسطيني للحيلولة دون المس بجنود الإحتلال خوفاً على الشعب من سقوط الشهداء ، أو الجرحى ، أو التعرض للإعتقال على أيدي مؤسسات الأحتلال الأمنية ، فهو المناضل المحرض وهم الذين إرتضوا لأنفسهم الخنوع لتفوق المشروع الإستعماري الإسرائيلي ، وهم المستسلمون لضعف المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني .
نتائج الأدارة الأحادية ، والتصويت بالتصفيق ، وتقديم الولاء المطلق ، وتسلط الفرد والعائلة لدى الليبيين والمصريين والتوانسة واليمنيين قبل الربيع العربي ، لم تسعف من تسلطوا عليهم لعشرات السنين من لحظة وداع محترمة ، فهتفوا جميعاً من تونس إلى طرابلس مروراً بالقاهرة وصولاً إلى صنعاء " الشعب يريد إسقاط الرئيس " ، وكان لهم ما عملوا لأجله ، ولأن الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية ضعيفة ، جاءت نتائج الربيع العربي لصالح الإخوان المسلمين ، وأحزاب ولاية الفقيه ، بل ولصالح داعش والقاعدة ، وهذا هو المحزن في فلسطين ، حيث تتراجع حركة فتح من مكانة أول الرصاص وأول الحجارة ، ومبدعة المبادرات الخلاقة إلى تجرع الفشل أمام العدو الذي مازال عدواً ، والأخفاق أمام حماس التي قادت إنقلاباً ولا تزال ، فالتراجع الفتحاوي يتم لصالح العدو الوطني ، ولصالح الخصم السياسي معاً ، مع الأسف وبكل مرارة ، يتجرع الفتحاويون التحول والتزييف من التعددية والديمقراطية ومواجهة العدو إلى جعل التنظيم الكفاحي صاحب الرصاصة والحجارة والأبداعات إلى جمع من الموظفين المدنيين والأمنيين والسفراء وحشد الأقارب والأتباع ، وتسميتهم بالمؤتمر السابع أسوة بمؤتمرات القذافي ، وبن علي ، ومبارك ، وعلي عبد الله صالح .
مؤتمرات التأسيس الكفاحية أعادت للهوية الفلسطينية حضورها وتمثيلها ، بعد أن تبددت وكادت تتلاشى ، وعادت مع أحمد الشقيري ، وبعده بنضال فتح مع الشعبية والديمقراطية والبعثيين والشيوعيين والمستقلين ، ليخوضوا معاً وينتصروا في معركة القرار الوطني المستقل .
ثمة قراءة تضليلية للأحداث وللواقع وللقرارات ، وكأن الشعب العربي الفلسطيني ، وفصائله وأحزابه وشخصياته بلا ذاكرة ، بلا وعي ، وبلا رؤية للتدقيق في المشهد السياسي ، وكأنهم لا يفصلوا الأنجاز عن الأخفاق ، فالإنجازات له وحده ، وله وحده فقط ، أما الأخفاقات فهي من فعل الجميع ، من أعضاء اللجنة المركزية ، ومن الفصائل من حماس والجهاد ومن الشعبية والديمقراطية ومن غيرهم ، ومن الشخصيات وفي طليعتهم سلام فياض وياسر عبد ربه ومن غيرهما أقل أو أكثر ، أما هو فلديه الألهام وهو الذي يقرأ ، أما الأخرون كما رد عليهم بقوله : " أنتم لا تقرأون " .
الأفذاذ من أمثال عبد الرحيم ملوح ، قضوا سنوات عمرهم إما حاملين للبندقية أو لتسويق الفكرة أو التجنيد لأهدافها وتطلعات شعبها ، وإذا صابهم النعاس ، فذلك لأن الأخرين لا يدركون ولا يتفهمون حجم التعب الذي مس الجسد بسبب مراكمة تبعات السجون التي لم يعرفها صاحبنا الرئيس ، بينما نحن إذا كان لدينا ما نتباهى به فهو رفقتنا لملوح في السجون والمعتقلات دفاعاً عن حق منظمة التحرير في التمثيل مع صالح رأفت وخطاب وعزمي الخواجا وتيسير الزبري ، مع مناضلي فتح خلال السنوات العرفية العجاف من رايق كامل ومنذر إرشيد اللذين كانوا محكومين بالإعدام ومع أخرين من رفاقهم عنواناً للوجود الفلسطيني وللتاريخ الذي حاولت حماس طمسه ، وأنه لم يبدأ إلا بفعل مشاركتها المتأخرة في النضال الفلسطيني على أثر الأنتفاضة الأولى عام 1987 ، فجاء المؤتمر السابع ليطمس إسهامات هؤلاء ويتناسى دورهم وتضحياتهم المشهودة .
ثمة تضليل متعمد ، وكأن الحضور الفلسطيني لا يقرأ حقاً ما معنى " حل متفق عليه لقضية اللاجئين تستند للقرار 194 ، ولمبادرة السلام العربية " ذلك الحل الذي يُقدم التنازل المسبق عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 ، إلى اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع ، وإستعادة ممتلكاتهم المنهوبة منها وفيها وعليها من قبل المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، فالقرار الأممي 194 يتضمن أولاً : حق البشر من الفلسطينيين في العودة إلى بلدهم ، وثانياً : حقهم في إستعادة ممتلكاتهم ، تأكيداًعلى أن الحضور وإن صابهم الصمت ، فهم يفهمون ولديهم ذاكرة لأن حقوق اللاجئين هي سبب إلتحاقهم بحركة فتح وحافزهم حتى يستعيدوا حقهم في الحياة على أرض فلسطين ، وطنهم الذي لا وطن لهم سواه .
صمت ناصر القدوة ونبيل عمرو وتوفيق الطيراوي وصخر بسيسو له حجته وما يبرره ، وحتى أبو الأديب الذي أُرغم على التحدث بإسم المؤسسين ، فهو ضعيف البنية لكبر سنه ، ولكن ذاكرته مازالت قوية ، ويمتلك الشجاعة الكافية كفتحاوي بدلالة أنه رفض تعليمات تلفيق قرار عقد المجلس الوطني في أيلول 2016 بمن حضر .
كثيرون يسألون لماذا تُصر على وضع إسم اللد في مقدمة قائمتك عند الحديث عن حق العودة ، فكانت إجاباتي أنها مدينة والدي الذي علمني أن أقول ذلك أمام الزائرين الأجانب إلى مدرسة وكالة الغوث في المخيم فأقول لهم رداً على سؤالهم من أين أنت ؟ فأجيب : من اللد ، وكان يُثني علّي فؤاد دبور البعثي مدرس الرياضيات ، وعلي عيسى الشيوعي مدرس الإجتماعيات ، فينتابني فرح طفولي على أنني متفوق .
وكثيرون يسألون لماذا تُصر على ذكر إسم مدينة صفد في قائمتك المتكررة ، فأرد عليهم لأنها بلد الرئيس الذي أعلن أنه لن يعود إليها لأنها خارج حدود حل الدولتين ، على قاعدة المساومة التي يعمل في ظلها ، ومن جهتي أعمل على قاعدة تحسين مستوى العرض المتدني الذي يسعى لعرضه وتقديمه ، فحقوقنا أكبر وأوسع من حدود التبادلية التي وافق عليها .
h.faraneh@yahoo.com