من يتابع المشكلات والمواضيع التي يتم طرحها في الاردن على مستوى الدولة والمجتمع يجد اننا نعيش ، او كأننا نكتشف للمرة الاولى وجود هذه القضايا المتعلقة بمختلف أنشطة الدولة والمجتمع الاردني . غير انك اذا بحثت في أصول هذه المشكلات ستجد انها موجودة منذ عدة عقود وأننا كمجتمع ودولة ندور في حلقة مفرغة ونعيد اجترار المشكلات والحلول بدون وجود خطط عملية تقرن الافكار بالافعال وبالتالي الوصول الى مرحلة الحكم الرشيد والمجتمع المنتج .
- مشكلة النقل : خلال مراجعتي لأرشيف الصحافة قرأت خبرا يصرح فيه وزير النقل في عام ١٩٩٧ عن عزم الحكومة مد سكة حديد لنقل الركاب بين عمان والزرقاء لحل مشاكل النقل . في بداية القرن زار الاردن وفد رسمي من اوكرانيا نشر حينها، بان غاية الزيارة هو مد خطوط نقل حديدية من عمان الى العقبة ، لان اوكرانيا تشتهر بصناعة القطارات والسكك الحديدية . بعد ذلك ب ٥ سنوات صرح رئيس الحكومة بان حكومته عازمة على مد خط قطار بين عمان والزرقاء سيتم انجازه باقل من عام . اليوم في عام ٢٠١٧ انتقلت ازمة النقل من عمان والزرقاء الى وسط عمان وشوارعها والجديد ان وسائل النقل التقليدية تراجعت خدمتها في الجودة والتنظيم والمستوى ناهيك عن قصة الف ليلة وليلة ( الباص السريع !) .
- مشكلة التعليم : اقصد مستوى مُنتج التعليم وظاهرة العنف في الجامعات ، التي كانت قد شهدت اهتماما رسميا كبيرا على مستوى الدولة والحكومة كان من مظاهره ادخال برامج تعليم الكمبيوتر الى المدارس وتوسيع منهج اللغات الاجنبية الانجليزية والفرنسية . لكن المستوى التعليمي لم يرتفع اما العنف الطلابي فقد تزايد ، وفي عهد وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور امين محمود قبل سنوات اصدر خطة مكتوبة للتصدي لهذه الظاهرة . لكن ( هوشة الجامعة الاردنية الاخيرة ) تجعلك تعتقد ان هذه الخطة لم تنفذ ، فمشاهد الطلبة المتشاجرين تجعلك تعتقد انك ترى معركة في سوق للخضار للكم المستخدم من العصي وألواح الخشب !. وما ان انتهت أحداثها حتى بدت معركة الخوض في الاراء والحلول التي ستتصدى لهذه الظاهرة الخطيرة وكأن المجتمع الاردني يكتشفها لأول مرة وكأن امين محمود لم يكتب خطة ولا ما يحزنون !.
- مشكلة البطالة وثقافة العيب : قبل نهاية القرن الماضي ايضا حضرت اكثر من ملتقى وندوة برعاية رسمية لمواجهة مشكلة البطالة وقضية ( ثقافة العيب ) التي قيل انها السبب في ارتفاع ارقام البطالة واستقدام العمالة الوافدة . اعادة اكتشاف هذه المشكلة لا يتوقف مع الإصرار بان السبب الرئيسي لها هي ثقافة العيب بين أوساط الشباب . وفي رائي ان هذا الإصرار على هذا الفهم الخاطئ لن يحل مشكلة البطالة ولو جزئيا ، فالبطالة الحقيقية موجودة في الخطط الاقتصادية والاستثمارية التي ثبت عجزها وفشلها وقصورها طوال الفترة التي شهدت نفوذ الليبراليين الجدد ، الذين ينتمون الى افكار وممارسات دمرت اقتصاديات العالم الغني والفقير معا . ومن يشاهد اطلال المشاريع الكبرى التي لم تستكمل او لم تر النور في عمان والعقبة يرى بام عينه السبب الرئيس لارتفاع معدلات البطالة وندرة فرص العمل .
- مشكلة المديونية وفوائدها : لسان حال السياسات الرسمية هو الاقتراض من الداخل والخارج لتسديد فوائد المديونية التي تجاوزت ال ٣٠ مليار دولار . وبان الجسر الذي يسهل هذا الامر ، هو الخضوع لشروط صندوق النقد الدولي التي تتمحور حول إنهاء الحكومة لجميع ابواب الدعم على السلع والخدمات بما في ذلك المتعلق بدعم الفقراء والطبقة المتوسطة الى جانب رفع الضرائب على المواطنين . هذه المعادلة يقصد بها الإيحاء بان الدعم على السلع وعلى مناطق الفقر هي السبب في العجز والاستسلام لشروط الصندوق ، بينما يتم إغلاق اي باب يقصد به اكتشاف الاسباب الرئيسية لارتفاع المديونية .
مشاكل الفقر والبطالة والمديونية لا تقتصر على الاردن ، على العكس ، تعاني الدول الغنية من هذه المشاكل بنِسَب اكبر بكثير ، لكن المشكلة في الاردن وفي من يماثلها من الدول الفقيرة ، هو اننا كبلد نستدين مع العلم بأننا عاجزين عن السداد . ومن اوصلنا الى هذا الوضع هم عباقرة التخطيط الذين أوصلوا الاقتصاد الوطني الى هذه النقطة الصعبة جداً . لأنهم لم يوجهوا القروض والمنح لتحقيق الازدهار الوطني وخلق بيئة انتاج قادرة على التوسع في التجارة . لقد وجهوها الى النفقات على مظاهر لا علاقة لها ببناء اقتصاد يدر دخلا في السياحة والإنتاج والتجارة . فلا حركة تصنيع السياحة نجحت ولا حركة تسليع العقار أثمرت باستقطاب اموال المستثمرين من الخارج الى ان تحولت اخيرا الى مشاريع اسكان اللاجئين .
نأمل من هذه الحكومة ان تعيد استكشاف مشاكل الاردن وان تنجح في وقف مظاهر الفقر والبؤس والتذمر بين الناس ، ونأمل من الدولة ان تعيد استكشاف مصادر قوة الاردن المؤثرة سلبا وايجابا على الامن والاستقرار في المنطقة والعالم ، وعلى بوصلة التغيير فيهما ايضا، لاستثمار ذلك في جذب الاستثمارات والمنح وتخفيف ضغوط صندوق النقد وشروطه غير المنصفة .
الاردن والأردنيون ، الذين يتحملون عبئا كبيرا من ركام الأزمات الإقليمية والدولية ، لا يستحقون كل هذا الإنكار من امريكا وأوروبا ومن تبقى من العرب .